الوُجهة شرقًا

تتأمل روتم روزنطال في اعمال الفنانين زويا تشركسكي، يفجيني فيكس، كاتيا جروكوفسكي وجيني يورشنسكي، وتطرح أسئلة عما إذا كانت هناك سردية سوفييتية-يهودية وتقدم مشهدًا جديدًا من التأمل في الثقافة التي شكلت الحياة اليومية في الاتحاد السوفييتي، السردية اليهودية-السوفييتية وإمكانية وجود مثل هذه السردية.

Advertisement

تقود زويا تشركسكي مجموعة زوّار جاليري Fort Gansevoort، التي تقع في أطراف هوليوود، بين بورتريهات كبيرة الحجم وأعمال مؤطرة على ورق بأحجام مختلفة، والتي تشكل معا فسيفساء مركبا للحياة في روسيا السوفييتية قبل الانهيار المدوّي الذي صم الأذان للجدار الحديدي. لربما هذه هي الجولة الفنية الأخيرة التي تجري في الجاليري قبل الاغلاق الذي نجم عن تفشي فيروس الكورونا، والذي بدأ في لوس انجليس في اذار 2020. في هذه الاثناء، تلتزم المجموعة برؤية تشركسكي والجدران التي تملأها علامات بصرية معروفة: بذلات رياضية (ترينينغ) تقليد لـ أديداس، ورق تابيت متعدد الألوان والنقوش، قبعات فرو، معاطف صوفية بخطوط طولية، أحذية بيتية، طناجر ممتلئة فوق النار، مناديل رأس حريرية من التي تغطي شعر البائعات على أطراف الشارع، وبذلات نسائية بأطياف النيون. لكن هذه العلامات تتجاوز ما نرويه لأنفسنا، ما يرويه المتأملون من الخارج لأنفسهم. الغوص في داخلها أمر لا يمكن تفاديه، وعلى نحو آسر هو أمر ليس متاحا تماما: الروائح ناقصة، وكذلك النغمات والشعور بأننا كنا هناك. تتحدث تشركسكي عن مركز المشتريات، مسار الحافلة في الحي، النساء اللواتي قضين وقتهن في المطبخ وهن يقطعن الشمندر لوجبة البورشت، والرياضيات اللواتي قضين معظم الوقت في التدريبات، فوق أو على أرضية ساحة الألعاب خارج المبنى السكني الشاهق الارتفاع، وعن التحرّريّين ("الفوضويين" بالتسمية المخطوءة الشائعة)، وعن الشعور الآسر الذي انتابها امام البانك الذي جاء من الغرب، تقاليد الحياة اليومية في صالونات البيوت، خطوط التماس ما بين ذكريات الطفولة، ومعرفتها الحميمية للثقافة التي عرّفت حياتها، وبين القصص التي رووها لها. هاجرت الى إسرائيل في جيل 15، بعد لحظات قليلة من انهيار الاتحاد السوفييتي. نحن نتحرك مع الشخصيات المرسومة بين الخارج للداخل. بين تجارب يومية ولحظات حميمية، بين المشتريات وبين ما بعد الظهيرة بجانب النهر وحفلة ديسكو في الثمانينيات. تخلق الرسومات في "طفولة سوفييتية" (Soviet Childhood) حركة دائمة ما بين طيف واسع لأشكال الواقع، وإمكانيات لا تنضب لملاحظة وتنظيم الحياة اليومية. فوق كل شيء، تخلق الرسومات إمكانية لتعريف هوية، هوية مركبة، متناقضة وتتجاوز الصورة النمطية التي أسقِطت عليها حين تم قطعها عن الزمان والمكان اللذين أنتجاها؛ حيث أن الزمان والمكان الذين عرّفاها قد انهارا وكانا مضطرين للبدء من جديد.

 

Zoya Cherkassky, At The Yard, 2018, watercolor on paper, 31x47 cm.jpg

زويا تشركسكي 2018, At the Yard, من سلسلة "طفولة سوفييتية"، ألوان مائية على ورق, 47*31 ס"מ. بلطف: زويا تشركسكي وجاليري روزنفلد، تل أبيب
زويا تشركسكي 2018, At the Yard, من سلسلة "طفولة سوفييتية"، ألوان مائية على ورق, 47*31 ס"מ
بلطف: زويا تشركسكي وجاليري روزنفلد، تل أبيب

 

على الرغم من ان تشركسكي تشير الى أن أبناء جيلها يشخّصون أنفسهم في الأعمال، فمن الصعب تسمية هذا توثيقا. دافعها لا يشبه ذلك الدافع لدى الموثق. أكثر من كل شيء لربما هذه استعادة ذكريات. هناك اغراء في موضعة تشركسكي كفتاة إعلانات بين أبناء جيلها، الفنانين الذين غادروا روسيا السوفييتية خلال تسعينيات القرن الماضي في جيل الشباب المبكر، بعد لحظة من خوضهم تجربة التغيير الأكثر حدة لأنماط حياتهم بعد سياسة الانفتاح التي قادها جورباتشوف ثم انتهاء الحرب الباردة، حيث كانوا قد قضوا معظم حياتهم في فترة مراهقة مؤلمة في الشرق الأوسط او في الغرب، في حين واصلوا محاولة سجن او محو الذكريات التي نظمت حياتهم المبكرة. لكنني أرغب في الإشارة هنا الى شيء أوسع. لقد أشار الكس موشكين الى أن السيرورة النوستالجية في أعمال شعراء وفنانين بصريين ما بعد الفترة السوفييتية في إسرائيل، أبناء جيل الـ1.5، تشهد على شعور المعاناة، الاقصاء والإذلال المتواصل الذي اضطروا الى مروره.1, 2019: 179-199. يبدو لي ان موشكين يصيب تشخيص القوة السياسية النشطة للنوستالجيا، كأداة رفض. ولذلك كان بودي أن أضيف نقطة تأمّل تتجاوز إسرائيل، ورؤية ما إذا كانت العودة الى الجمالية والمضامين التي شكلت العالم السوفييتي بالنسبة لهؤلاء الفنانين، تشير أيضا الى محاولة للمطالبة بتملك لهوية يهودية. على النقيض من الشكل الذي تتفاعل فيه النوستالجيا نحو الماضي السوفييتي في روسيا الحالية، حيث انها تظهر كأداة تجارية وجمالية تشير الى هوية قومية، ففي حالة فنانين مثل زويا تشركسكي ، تشكل هذه العودة أيضا عودة الى حيز قام في الوقت نفسه بإقصاء الفرد وحدد إمكانية انتماء جماعي غير قابلة للتحقيق.2

تشركسكي هي احدى الرسامات المعروفات والناشطات في إسرائيل، قضت وقتا طويلا في السنوات الأخيرة بجمع هذه اللحظات داخل منظومة أعمال لافتة ومثيرة للانطباع بحجمها. المعرض الذي عرضته في لوس انجلس هو معرض مكمل للذي عرضته في الفرع النيويوركي للغاليري. يعود مصدر المشروع الى كتاب فنانة يحمل الاسم نفسه، طفولة سوفييتية، والذي رافق معرضها الفردي في غاليري روزنفلد عام 2018. يعدد الكتاب نحو مئة لوحة، وقد بدأ انتاجه حين كانت تشركسكي حاملا بابنتها الأولى عام 2013. "ترقب الولادة الاولى أعادني الى الماضي"، قالت يومها (...) لربما كانت القوة الدافعة للأعمال الأولى هي محاولة التقاط ذكريات ترسم الشكل الذي ستروي فيه العالم لابنتها. الرسومات في الكتاب والغاليري تبث منظومات مشاعر الذاكرة، الترقب، العودة الى ما كان ولم يعد موجودا. يومها عاشت شركاسكي تجربة ما تسميه الاختلاط "ما بين الجديد والغربي، والسوفييتي القديم والجيد"، لحظة نقطة التقاء استثنائية، نتجت في اعقاب البريسترويكا والانكشاف المسوح على الغرب.3


Zoya Cherkassky, Near the Metro, 2016, oil on linen, 120x200 cm .jpg

زويا تشركسكي, 2016, Near the Metro, من سلسلة "طفولة سوفييتية"، ألوان زيتية على قماش 200*120 سم. بلطف: زويا تشركسكي وجاليري روزنفلد، تل أبيب
زويا تشركسكي, 2016, Near the Metro, من سلسلة "طفولة سوفييتية"، ألوان زيتية على قماش 200*120 سم
بلطف: زويا تشركسكي وجاليري روزنفلد، تل أبيب


لقد أضافت الهجرة من روسيا في التسعينيات نحو مليون نسمة على عدد سكان إسرائيل، أي انهم شكلوا 12% من مجمل عدد السكان.4 لامست تشركسكي في اعمالها المبكرة أكثر تعقيدات التأقلم. في "برافدا"، وهو معرضها الفردي في متحف إسرائيل في عام 2018، تناولت على نحو مباشر التجارب الجماعية لهذه الهجرة الضخمة. لحظة النزول من الطائرة، الحياة في البنايات المكتظة، وفحوصات الكاشير. هنا أيضا بدأت تظهر ذكريات جزئية راحت تتزايد وغطت منظومة عملها في "طفولة سوفييتية". ضمن هذا المعرض قدمت أيضا عملا مبكرا اكثر – ويعتبر احد اكثر اعمالها استفزازية – ايتسيك، عام 2012، وفيه عاملة محل فلافل تبدو عليها علامات الذعر وتحاول ابعاد محاولة لمسها من قبل صاحب المحل، رجل ضخم الحجم، غامق البشرة، شعره أسود، ينتعل حذاء بيتيا، شيالا اصغر بكثير من حجمه يكشف كرشه وحول عنقه سلسلة كبيرة الحلقات. تلاعبت تشركسكي هنا بصورة نمطية داخل صورة نمطية، وبالشكل الذي يقوم المجتمع الإسرائيلي فيه بوشم الذين يتعرضون للإقصاء في داخلها، وذلك من خلال عرض متهكم لرجل شرقي أمام امرأة ضئيلة وشقراء ستظل تبدو له الى الابد متاحة، متوفرة ومن السهل الحصول عليها لأنها "روسية".

بذلك التوجه المباشر الذي يميز السرديات التي تنتجها، تردد تشركسكي مرة بعد الأخرى صدى اقصاء المجتمع الإسرائيلي للمجموعة السكانية التي هاجرت من الاتحاد السوفييتي، ووضعهم جميعا تحت العنوان "روس". الدفع خارج مركز الخطاب في إسرائيل يمكّن على نحو متناقض، من الارتباط بتجربة الهوية التي تم ابعادها عن الحياة في روسيا السوفييتية – الهوية اليهودية. بالنسبة للمهاجرين الى إسرائيل في التسعينيات، تمت مصادرة هويتهم اليهودية منهم مرتين: في البداية من قبل النظام السوفييتي وبعد ذلك من قبل الحاخامية في إسرائيل، التي شككت في انتمائهم ورفضت الاعتراف بيهودية العديد من المهاجرين. تجربة الاقصاء والرفض المضاعفة هذه تظهر أيضا في اعمال تشركسكي، سواء في تلك المبكرة منها او في سلسلة الرسومات التي انتجتها خلال اغلاق الكورونا. وقد تم عرضها في معرض افتراضي على الشبكة نظمته غاليري فورت جانسيفورت Fort Gansevoort في نيسان-أيار 2020. والتي وفرت اطلالة الى داخل الحياة في شتيتل رفدتها بلغة الصور، بروح اللحظة، والمأخوذة من التجهيز الرمزي لعيد الفصح العبري.


Zoya Cherkassky, Itzik, 2012, oil on canvas, 150x200 cm.jpg

زويا تشركسكي, 2012, ايتسيك، من سلسلة "برافدا"، ألوان زيتية على قماش 200*150 سم. بلطف: زويا تشركسكي وجاليري روزنفلد، تل أبيب
زويا تشركسكي, 2012, ايتسيك، من سلسلة "برافدا"، ألوان زيتية على قماش 200*150 سم
بلطف: زويا تشركسكي وجاليري روزنفلد، تل أبيب


بعيدا عن إسرائيل، يقوم يفجيني فيكس FIKS هو الاخر بتضمين منظومة اعماله فحصًا للتجربة السوفييتية اليهودية والتأمل المجدد في الثقافة التي بلورت الحياة اليومية في الاتحاد السوفييتي. فيكس، من مواليد 1972 وصل الى نيويورك عام 1994 وهو مقيم هناك حتى اليوم. في اعمال الانشاء والأداء التي ينتجها يفحص منظومة الروابط بين الاتحاد السوفييتي والغرب، والشكل العيني للسردية السوفييتية-اليهودية وإمكانية وجود مثل هذه السردية. وهكذا، مثلا، عام 2011 نظم جولة فنانين في لاور ايست سايد تحت عنوان "الكاديش الأحمر" (The Red Kaddish)، والذي عرض على المشاركين الاطلالة على الحي من خلال عينيّ ايما جولدمان، تحررية أمريكية-يهودية نشطت في النصف الأول من القرن العشرين. قاد فيكس المشاركين في جولة بين مبان ذات أهمية تاريخية للنشاط السياسي الراديكالي اليهودي، وفي كل موقع قرأ نصوصا لجولدمان وتحرّريّين إضافيين، مثل بيوتر كروبتكين وافراهام كاهين.5 وهو يقول عن اختيار الاسم: "هذه صلاة كاديش لحلم غير متحقق بعالم افضل، عدالة قومية كونية وسعي جماعي نحو السعادة".6 في السنة نفسها أنتج المشروع المشترك بورتريه ل-19 مليون Portrait of 19 Million والذي نشر في اطاره بيانا دعى فيه ان يتم ارسال بورتريهات لأشخاص كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي في بداية البريسترويكا، حين كان عددهم 19 مليون. كل محاولة لتجميع بورتريهات 19 مليون شخص ستنتج بالضرورة عددا لا يحصى من زوايا النظر نحو هوية لا يمكن ان تكون متجانسة، حتى لو كانت تطمح بذلك. عرض المشروع في متحف موسكو للفن المعاصر، وقسم من البورتريهات متاحة في مدونة تم انتاجها بعد نشر بيان الدعوة.

 هذا ليس المعرض الفردي الأول له في موسكو. ففي العام 2008 عرض المعرض إيديش كوسموس Yiddish Cosmos: وهي نقطة التقاء متخيلة ومستقبلية بين ثلاث سرديات تبدو كأنها منفصلة: اليهودي الشرق أوروبي، علم الكون وبرنامج الفضاء السوفييتي. من خلال إقامة لقاء بين شخصيات تاريخية ومنظومات قصصية متخيلة، عثر فيكس على براعم ثقافة إيديش داخل برنامج الفضاء، ونزعات لبحث الفضاء لدى ايقونات الثقافة الإيديشية.7 ركز فيكس والقيّمة ماريا فيتس Veits في موسكو أيضا على صراع اليهود السوفييت من اجل الهجرة بواسطة خلق محور زمن يظهر على نحو متوازن احداثيات في برنامج الفضاء السوفييتي والهجرة اليهودية بين سنوات 1948-1991. ويكتب: "الجمهور في موسكو لا يعرف او لا يذكر الكثير عن الثقافة الإيديشية او اليهودية، ولربما الأشخاص فوق جيل 45 فما فوق فقط سيعرفون الاسم شالوم عليخم. كذلك فالهوية اليهودية في حيز الفن الروسي المعاصر غير موجودة تقريبا (...)".8

 

Yevgeniy Fiks, Red Kaddish, 2011.jpg

يفغيني فيكس, Red Kaddish, 2011. بلطف يفغيني فيكس
يفغيني فيكس, Red Kaddish, 2011
بلطف يفغيني فيكس

Yevgeniy Fiks ,Himl un Erd (Yiddish Cosmos), 2018.jpg

يفغيني فيكس, Himl un Erd (Yiddish Cosmos), 2018. بلطف يفغيني فيكس
يفغيني فيكس, Himl un Erd (Yiddish Cosmos), 2018
بلطف يفغيني فيكس

Yevgeniy Fiks, Portrait of 19 Million, 2011.jpg

يفغيني فيكس, Portrait of 19 Million, 2011. بلطف يفغيني فيكس
يفغيني فيكس, Portrait of 19 Million, 2011
بلطف يفغيني فيكس


يبدو أنه بعيدا عن روسيا الراهنة والاتحاد السوفييتي السابق بالذات، يجد المزيد من الفنانين اليهود المعاصرين امكانية للتعاطي ‏مع سرديات تاريخية للطرد والهجرة واعطاء مساحة لتجربة الهوية المركبة، القائمة على تحرك دائم وتعمق في سرديات عائلية ‏شخصية. فمثلا كاتيا جروكوفسكي ‏ Grokhovsky ، مؤسسة بينالي الفنانين المهاجرين (‏The Immigrant Artists Biennial ‏) وثقت على امتداد سنتين جدتها، وهي طبيبة بيطرية خلال فترة الحرب‎ ‎‏ العالمية الثانية ناجية من الهولوكوست. ‏

انتجت جروكوفسكي اعمال التوثيق حين زارت عائلتها في مالبورن، حيث يعيشون منذ ان غادروا اوكراينا في عام 1992. ‏جدتها نجت من الجحيم حين عملت في خدمة الجيش السوفييتي كطباخة ومغنية في روسيا وأوكراينا. تحول التوثيق الى عمل بعنوان ‏ The Future Is Bright (المستقبل اللامع)، والذي يضم انشاء يتطرق الى بيت العائلة، فيديو بقناتين لعرض وتوثيق الفنانة مع جدتها وهما تتحدثان، ‏وتحضران وجبة وتغنيان الاغاني التي كانت تغنيها الجنود السوفييت الجرحى حين كان عمرها 16 عاما. وكما تقول، كانت هذه ‏هي المرة الاولى التي امتلأ بها الفولوكلور العائلي بالتفاصيل ومكنها من اجراء التفكيك، طبقة بعد طبقة، لتاريخها العائلي. مواجهة ‏الماضي والتعاطي معه وخصوصا المذبحة التي قتل فيها أهل جدتها، غيرت الطريقة التي تفهم فيها وجودها وتعاطيها مع التاريخ ‏والتراث.9

 

1.The Future is Bright detail.jpg

كاتيا جروكوفسكي, 2019, The Future is Bright. تصوير: Walter Wlodarczyk بلطف كاتيا جروكوفسكي
كاتيا جروكوفسكي, 2019, The Future is Bright
تصوير: Walter Wlodarczyk

بلطف كاتيا جروكوفسكي

2.The Future is Bright.jpg

كاتيا جروكوفسكي, 2019, The Future is Bright. تصوير: Walter Wlodarczyk بلطف كاتيا جروكوفسكي
كاتيا جروكوفسكي, 2019, The Future is Bright
صوير: Walter Wlodarczyk

بلطف كاتيا جروكوفسكي


3.The Future is Bright video still.jpg

كاتيا جروكوفسكي, 2019, The Future is Bright. صورة من فيديو بلطف كاتيا جروكوفسكي
كاتيا جروكوفسكي, 2019, The Future is Bright
صورة من فيديو

بلطف كاتيا جروكوفسكي

 

مواجهة المكان الذي اقصى الوجود والهوية اليهودية يطفو أيضا في عمل فنانين غادرت عائلاتهم الاتحاد السوفييتي في ‏السبعينيات. جيني يورشنسكي Yurshansky ولدت في روما، حين هرب أهلها كلاجئين من مولدوفا الحالية الى الولايات المتحدة. ‏يورشنسكي التي تعيش في لوس انجلس تتأمّل في المكان الذي اقصى عائلتها وتفحص ما الذي بقي هناك بعدهم. في اطار ‏المشروع Legacy of Loss (ارث فقدان) اخذت يورشنسكي امها عائدة الى مولدوفا في المرة الاولى منذ ان غادرتها. لقاء غير متوقع في عمق ‏الغابة مع قبر جد الأم تحول الى إنشاء انتجته كلاهما معا: قامتا بخياطة نسيج على موسلين وفوقها اثار دعك- وهي آثار انتجاها في ‏الغابة حين عادتا الى القبر.10 في إطار عملي كقيّمة مع جيني، فكرنا معا بهذه الاثار غير المتوقعة، التي وجدت في المكان ‏غير المعروف لها، وبالنسبة لأمها هو ما يجب نسيانه. هذه السنة انتجت ايضا سلسلة اعمال نسيج تفكك منظومات دعاية وتفحص ‏كيف ان سرديات القمع تمتزج في ثقافات فولكلور. عالم الصور البصرية الذي تستند اليه يصل بالأساس من كتب تعليم ونماذج ‏نسيج من مولدوفا السوفييتية. عائلتها التي لم يعترَف بها كمولدوفية بشكل رسمي بسبب يهوديتها، حظر عليها ارتداء تلك النماذج. ‏وهكذا فان يورشنسكي تطالب بها لنفسها وتكشف الاشكالية الكامنة فيها وفي الثقافة التي تحفظها.11

 

Yurshansky_Jenny_07.jpg

جيني يورشنسكي, الحدّ لن يصمد، (فصل عائلات)، 2020، حرير أورغنزا، خيوط قطن بنينا، خيوط قطن، بولياسستر، حبر، صافرة. بلطف جيني يورشنسكي
جيني يورشنسكي, الحدّ لن يصمد، (فصل عائلات)، 2020، حرير أورغنزا، خيوط قطن بنينا، خيوط قطن، بولياسستر، حبر، صافرة
بلطف جيني يورشنسكي

Yurshansky_Jenny_02.jpg

جيني يورشنسكي, إرث فقدان (كفن), 2019, قماش موسلين، خيوط تطريز بنينا، شمع لفرك شواهد قبور، فولاذ , אימל. بلطف جيني يورشنسكي
جيني يورشنسكي, إرث فقدان (كفن), 2019, قماش موسلين، خيوط تطريز بنينا، شمع لفرك شواهد قبور، فولاذ
بلطف جيني يورشنسكي

 

ان فنانين مثل فيكس، جروكوفسكي او يورشنسكي يحاولون اعطاء تعبير لإمكانية الهوية اليهودية، التي تجد نفسها مرتبطة أو ‏منخرطة في عمق الثقافة ما بعد السوفييتية. علاوة على ذلك، تنطوي هذه الامكانية ايضا على امكانية راديكالية لمطلب ‏أوتونومي بالتحرر. خلال سيرورة تبدو وكأنها منفصلة عن الشكل الذي تفكر فيه ثقافة علمانية اسرائيلية حول يهوديتها، فإن ‏تشركسكي وفيكس ايضا يقومان بإمكانية تفكيك هوية يهودية الى عناصر (عودة الى الشتيتل المنبوذ وثقافة الإيديش المنسية او ‏ذكريات الاقصاء التي تقوم بها المؤسسة الدينية) من أجل العثور فيها على حيز معزز للتحرر. في حالة تشاركسكي، العودة الى ‏الثقافة اليهودية، تشكل ربما امكانية لرفض الثقافة الاسرائيلية. أما لدى فيكس فهذه الطريقة لكتابة امكانية مستقبل وفيه محوران ‏متوازيان لهويتان تتواجدان في توتر مستحيل وتلتقيات الواحدة مع الاخرى.‏

  • 1. Alex Moshkin, “Post-Soviet Nostalgia in Israel? Historical Revisionism and Artists of the 1.5 Generation,” East European Jewish Affairs 49 ׳طفولة سوفييتية" | رسومات ولدي – معرضان شخصيان جديدان لزويا تشركسكي"، Archijob, المصدر نفسه.
  • 2. لقراءة إضافية حول النوستالجيا للاتحاد السوفييتي باللغة الروسية، ينظر: Ekatrina Kalinina, “Mediated Post-Soviet Nostalgia,” Dissertation, Södertörns högskola (ElandersdEk/v: Stockholm, 2014).
  • 3. المصدر نفسه.
  • 4. شلوميت لن, ״30 عامًا على الهجرة الكبيرة من روسيا: هكذا تغيّرت إسرائيل بما لا يوصف"، غلوبس، 24 كانون الثاني، 2020. https://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1001315925
  • 5. ينظر أيضًا هنا: http://www.thelodownny.com/leslog/2011/05/red-kaddish-walking-tour-the-russian-revolution-on-the-les.html
  • 6. المصدر نفسه.
  • 7. عرض المشروع في إسرائيل أيضا، ضمن معرض "هيًا للفضاء – قصص بديلة للكون"، قيّمة: ماريا فايس، مركز الفنون الرقمية، حولون 2020.
  • 8. Fiks, “Yiddish Cosmos,” Ibid.
  • 9. Katya Grokhovsky, ”The Future Is Bright,” Asylum Arts, February 4, 2019.
  • 10. ينظر أيضًا هنا: http://www.jennyyurshansky.com/Jenny_Yurshansky/A_Legacy_of_Loss_Shroud.html
  • 11. .التفكير حول الهجرة وإسقاطاتها تلاقي تعبيرا بأشكل إضافية في أعمال يورشنسكي. قامت في العقد الأخير ببحث النباتات المهاجرة المسماة "غازية"، في كليفورنيا وأضيفت الى قائمة سوداء. تصنف يورشنسكي النباتات وتخلق لها سرديات. هذا العام، بعد الإغلاق الذي حال دون افتتاحنا معرضها الشخصي المخطط في American Jewish University, رفعنا على موقع البرنامج المرشد الصوتي Blacklisted: A Planted Allegory, الذي يجمع سرديات نباتات عثرت عليها الفنانة في الحرم الجامعي. واضيفت الى المرشد سرديات أنتجها مشاركون في ورشة أدارتها في اطار المشروع. للاستماع: https://arts.aju.edu/exhibitions/current/jenny-yurshansky/