الفنّ وتفكيك الذات الإسرائيليّة

يسعى الكاتب والفنان والناشط السياسي - الاجتماعي محمّد جبالي إلى تحديد مسار الفنّ الاسرائيليّ بحركاته وتياراته المتعددة من خلال طرح مجموعة متشعّبة من الأسئلة تحاول جميعها الإجابة على مفهوم الفن الإسرائيلي وتقاطعاته التاريخيّة وجذوره الاستعمارية، في مشروعٍ استعماريٍّ لا يزال قائمًا حتى اليوم.

Advertisement

مصيدة المكان: دراسة نقديّة لحقل الفنون التشكيليّة في إسرائيل، "مدار" - المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، 2022

في كتاب جيبٍ صغيرٍ لحفظ الفواكه والخضراوات في مكتبةٍ عامّة اكتشفتُ ورقةً صغيرةً مهملةً تعود إلى العام 1950 وفي داخلها وصفتان لعمل مربى الفواكه، تختلفان وحسب بالمحلول السّكري وخلّ التّفاح.

في سياقٍ ضيّقٍ مثل هذا تكفي الإشارة إلى أنّ لكل عائلة أذواقها وعاداتها، المربّى مربّى، سواء وضع في شرابٍ سكريٍّ مغليّ لساعتين أو أكثر، وتحضيره لا يستدعي تدخلاتٍ أمنية أو يومض بخطرٍ قريب. لكن حين يأتي الحديث عن الفنّ الإسرائيلي لا يكون الأمر سهلًا بتاتًا، على المرء أن يكون حذرًا، أن يقف ويفكّر، وأن يحلل ما يجري في الخلفيّة.

 

Untitled-1.jpg

مصيدة المكان: دراسة نقديّة لحقل الفنون التشكيليّة في إسرائيل، "مدار" - المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، 2022
مصيدة المكان: دراسة نقديّة لحقل الفنون التشكيليّة في إسرائيل، "مدار" - المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، 2022

 

ينطلق كتاب "مصيدة المكان: دراسة نقديّة لحقل الفنون التشكيليّة في إسرائيل" لمحمّد جبالي، الصادر عام 2022 عن "مدار" - المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، من مرجعية واضحة هي "ندرة/ فقر المادة" المعرض الفني الذي أقيم في تل أبيب في العام 1986 والذي أقامته القيّمة الفنيّة برايطبرغ - سيمل باعتباره حدثًا مركزيًا في رواية الفنّ الإسرائيلي، كونه أوّل معرض جامع طرح بطريقةٍ أو بأخرى أفكارًا وتصوراتٍ ما عن ماهية الفن الإسرائيلي، كلّه في محاولة واضحة لفهم الذات الإسرائيلية بشكلٍ أعمق، مع أن الكاتب نفسه يحاول على مدار الصفحات المتتالية أن يكسر هذه النمطية في النظر إلى أعمال الفنانين على اختلاف خلفياتهم، لأن "الفن الرفيع" هو فنّ يستجيب إلى معطيات جمالية تكوينية وعليه على المشاهد أن ينظر إليه ليس من وراء العدسة السياسيّة وحسب بل من إطار جمالي فنيّ أيضًا، مع الاعتراف بصعوبة هذه المهمة في سياقٍ مماثل، إذ تعيش الذات الإسرائيلية المعبر عنها من خلال هذا الفن تشرذمات كبرى وانشتاتًا عميقًا يتعلق بالهوية والأرض والتصورات اليمينية واليسارية لها والفنّ داخل وخارج الحدود الجغرافية والتيلولوجيا والرحلات وحلم العودة والعالميّة والمحليّة في بيئات يهودية - متدينّة تنتج فنًا لم يتم الاحتفاء به كثيرًا خارج الأيقونولجيا الهجينة على الدين اليهودي، أو في بيئات يهودية - يساريّة - علمانية تستقطب اهتمام بعض القيمين الفنيين والمتاحف وفي إدراك الحيز، التاريخ والمجتمع.

وإذا كان صاحب الكتاب مهتمًا حقًا ليس بتاريخ الفن الإسرائيلي وإشكالياته وحسب، بل بصعوبة تحرره من كلّ ما ذكر، محاولًا قراءة المشهد على ضوء بعض المقالات الأكاديمية المنشورة هنا وهناك، موضحًا لنا أن الفن التجريبي هو أكثر ما يجذب الفنانين الإسرائيليين بعيدًا من فرضية أن ينتج الحقل الفن الإسرائيلي فنًا ليس استعماريًا في تكوينه، من دون أن يشير إلى أي مرجعية فنية في الفصول الأولى تجعلنا نفهم ما يساند حججه. إن قراءة المعطيات الثقافية الواردة في الفصول الأولى تكفي وحسب في عملية استعراض تاريخ الفن الإسرائيلي وأزمة الفنان الإسرائيلي القديم والمعاصر، وأسئلته وهواجسه، وعلاقته بالمحلي والخارجي (الغربي الأوروبي) وبطولة المساهمة في المجتمع وبناء الدولة أو عدمها، فضلًا عن التيارات الأخرى التي انضوى تحتها هذا الفن، مع أو بمنأى عن "أوفاكيم حاداشيم" التي ارتبط اسمها بتأسيس الحقل الفني مع قيام إسرائيل، إلّا أنه لا يتوجه مباشرة للحديث عن الهواجس الأخرى المتعلقة بأنواع الفنون المطروحة في الأسواق الإسرائيلية بكل يكتفي بالحديث عن التيار التجريبي، في الوقت الذي يؤطر فيه لدراسة الفن الإسرائيلي داخل او خارج الممارسات السياسية التابعة له، من دون أن يقترب من الحديث عن لوحة ما بعينها أو منحوتة موجودة على حدود المساحات الجغرافية لدولة إسرائيل أو خارجها، وتحليلها انطلاقًا من المعطيات الجمالية، التكوينيّة، المدافع عنها خصوصًا أن هذا الفن نفسه لم يخرج من سياقاتٍ تبتعد من المشاريع السياسية القومية قبل وبعد قيام إسرائيل، لأنّه تتبدى أيضًا صعوبة التحرر من كلّ هذا الثقل التاريخي المغرق في حساسيته وزبائنيته، لأنه من غير المفهوم أن ترسم لوحة لمنظر طبيعي "توافق مخيال المجتمع الاستيطاني الصهيوني" خارج هذا الإطار العام.

 

TAMA2361 דלות החומר2.jpg

عرض تركيبي في معرض "لأن الأمر قريب منك جدً ا: فقر المادة كعلامة جودة في الفن الإسرائيي". متحف تل أبيب، 1986. تصوير: آفي حاي. بإذن من أرشيف متحف تل أبيب للفنون
عرض تركيبي في معرض "لأن الأمر قريب منك جدً ا: فقر المادة كعلامة جودة في الفن الإسرائيي"
متحف تل أبيب، 1986. تصوير: آفي حاي. بإذن من أرشيف متحف تل أبيب للفنون

TAMA2361 דלות החומר.jpg

عرض تركيبي في معرض "لأن الأمر قريب منك جدً ا: فقر المادة كعلامة جودة في الفن الإسرائيي". متحف تل أبيب، 1986. تصوير: آفي حاي. بإذن من أرشيف متحف تل أبيب للفنون
عرض تركيبي في معرض "لأن الأمر قريب منك جدً ا: فقر المادة كعلامة جودة في الفن الإسرائيي"
متحف تل أبيب، 1986. تصوير: آفي حاي. بإذن من أرشيف متحف تل أبيب للفنون

 

يصبح الفنّ هنا مبتذلًا لأنّه مهما حاول أن يتحرر من سطوة هذه المؤسساتية، يجد نفسه حبيسًا فيها، لأن هذه المؤسساتية نفسها هي من تشرعنه وتعطيه ضمانته، لأنّ القيّيمين على هذه الأعمال الفنية لن يتمكنوا هم أيضًا من فصلها عن الواقع الاستيطاني حتى لو كانت خارج إسرائيل، خصوصًا عندما يستعمل الفن ليكون هو ذاته مصيدة المكان الذي ما تزال معالمه غير واضحة، وكل هذا يتم مع سخرية كبيرة، هي في الأساس نبرة الكاتب في التعامل مع ثيمات لا يمكن أن لا تنهل الفكاهة منها، أو المواضيع المطروحة، التي تضفي على نفسها الحق في تغيير الواقع وفقًا لما يناسب أهواءها، هذا كلّه مع المحاولة على الإجابة عن السؤال المتعب والمتشعّب عن أصالة الفن الإسرائيلي وماهيته، خصوصًا في تطوّره وتبدّل أحواله من فترة الخمسينيّات حتى يومنا هذا، وبقائه بطريقة أو بأخرى داخل علبة الألوان التشكيليّة ل"الحب التوراتيّ" و"أرض إسرائيل". ماذا يمكن لهذا الفنّ أن ينتج خارج هذه الحدود الضيّقة؟ وهل يبدو سؤال الحب هنا ساذجًا بطريقةٍ واضحة أم على الواحد أن يستبطن مضامينه؟ ولماذا على الفنانين أن يثقلوا دومًا بالحيّز المكاني واستعاراته وتأويلاته في الوقت الذي من الممكن فيه أن تتخطى هذه العلاقة مع المكان أبعاد الجغرافيا التي لا تساهم وحسب في زعزعة الأصالة التي هي في الأساس هشّةٌ وليّنة عوضًا من الاستفادة من من الاحتمالات الأخرى والبعد من سذاجة "المفهوميات المتشكّلة"؟ وهذا ما يتقدم به الكاتب في الفصل الثّاني من الكتاب من خلال التطرق إلى حادثة كلّ من لوحة عوتصماه (عظمة)، ومشروع مارسيل يانكو لإقامة قرية الفنانين (عين هود) وذلك بعد تهجير سكّانها عبر التطهير العرقي لفلسطين عامَ 1948 والعودة إلى الأعمال الفنية في المستوطنات، التي تأتي بأغلبها على شكل رسوم لمناظر طبيعية يمكن قراءتها من خلال نقد واضح لتاريخ الجماليات الإسرائيلية بأكمله.

ثم يأتي الحديث عن النظريات النقدية في الفصل الثالث، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بمدرسة "بتسلئيل" للفنون في العام 1906، وعجز طلابها عن إعطاء أي قيمة نقديّة لأي عمل تم خلال هذه الفترة، التي تعتبر مرحلة انتقال مركز ثقل الإنتاج الفني إلى تلّ أبيب وتكوين "الفنّ العبري" الذي يصبحُ منذ هذا التحوّل المعرّف الرئيسي "للفنّ الإسرائيلي" والتي على حدّ تعبير الكاتب تبقى "لحظة مفرغة في الزمن" إذ تغيب الجماليات التي كان من الممكن أن ترافق فترة التحوّل هذه، خصوصًا بعد حصولها في العام 1975 على الترخيص والتصريح باعتبارها "أكاديمية" تتبع للجنة التعليم الأكاديمي العالي في إسرائيل، في الوقت الذي تمتدّ فيه أيضًا نفوذ مجموعة "أوفاكيم حاداشيم" بقيادة يوسف زاريتسكي على رواية تاريخ الحقل الفنّي الإسرائيلي ورفضه لسلطة دافيد بن غوريون، الأمر الذي نصّبه فنانًا "متمردًا" مدافعًا عن استقلالية القرار الجمالي، في الوقت الذي يدور فيه في حقل الفنون الإسرائيلية صراعٌ حول سلطة السيطرة على التصويرات، وترويج لاستقلالية الفن الإسرائيلي عن المؤسسة السياسية وتمرده عليها، مكتسبًا بهذا طابعًا شخصيًا يعزز "الديمقراطية في المجتمع"، إلّا أن لحظة التمرد هذه بالطبع والواردة في حادثة زاريتسكي الذي مزق لوحته المعروضة في متحف تل أبيب بعدما لم تنل إعجاب دفيد بن غوريون ونقلها إلى صالة بعيدة عن أعين الجمهور هي ليست أبعد من دعاية صغيرة عن "أصالة" مفقودة للمجتمع الإسرائيلي وفي محاولة أيضًا للدخول في سلك الدعاية الأوروبيّة، و بروباغندا "الاستقلالية السياسية" والحرية في التعاطي مع الموضوعات، خصوصًا مع الموجة الجديدة من إقرار الفن التجريدي كأحد أهداف الفن الرئيسي، ما يعدّ تمرّدًا وانتصارًا حقيقيًا، ما يضعه الكاتب في إطار توجه المجتمع الإسرائيلي أكثر فأكثر إلى تأثيرات الانضمام إلى المعسكر الغربي "وعلاقة الاتحاد السوفياتي بالحركة الصهيونية".

وفي هذه البيئة يولد الفن المفاهيمي الإسرائيلي في مرحلة السبعينيّات، وتتطوّر الأدوات الجمالية إلى أدوات يحاول الحقل الفنّي الإسرائيلي من خلالها "ترويض مفاهيم شائكة وتدجينها، مثل العلاقة مع القدس، اليهودي أو أرض إسرائيل، أو مثل القضية الفلسطينيّة ويدخلها في خطابه" سواء كان هذا الخطاب متعلقًا بالتاريخ والمكان والحدود الجغرافية والنظرة إلى الذات والآخر لكنه يستمر في الغرق في الورطة ذاتها : "الاعتراف بدولة إسرائيل على أنها الآلية الحداثية الوحيدة التي تحقق الخلاص بشكل مادي".

ومن بعدها ينطلق في الفصل الرابع إلى الحديث عن الفن اليهودي الدياسبوري في أوروبا في مطالع القرن العشرين، ويستعرض عملين فنيين عن اليهود، أوروبا والصهيونية، وتشكّل الخطابات والسرديات الكبرى، كلّه في دائرة الحديث عن الجماليات في الفنّ التي لا تنفصل عن الخيارات السياسية حتّى لو روّجت للعكس، خصوصًا في سياقات سياسية معروفة وفي حقبة امتازت بظهور حركات ثقافيّة وفنية طلائعيّة تذكّرنا جميعًا بأن حقل الفن هو "حقل أصلًا مسار حداثي بكلّ جوارحه" ولا يمكن عزله عن "الخطاب الجمهوري والديمقراطي وتكون الدولة المؤسساتية القومية الحديثة". موضحًّا أيضًا الأحداث والتغييرات السياسية الكبرى التي رسمت ملامح الفنّ الغربي- الأوروبي والعالمي على حدّ السواء وحقل الفنّ الإسرائيلي الذي شكلّ الاتحاد السوفييتي المظلّة العليا له، آخذًا بعين الاعتبار المعطيات السياسية الجماليّة لمعنى الحداثة في سياقها اليهودي، بعد تمثيلها "لليهودي الحديث" الذي تحوّل بفعل التكتنولوجيا والثورة الصّناعية وبدأ يبحث عن نفسه خارج القرية وفي حدود أوسع وأكبر، مع التركيز على السؤال اليهوديّ والحتمية الكبرى لسيطرة إسرائيل على جوانب الحياة اليهودية اليومية، مرورًا بثلاثيّة الأفلام الفنية التي أنتجتها الفنانة الإسرائيلية ياعيل بارتنا، التي رشحت لتكون أهم مشروع فني إسرائيلي في العقدين الأوّلين من القرن الواحد والعشرين.

وإن كان واضحًا على مدى تواتر صفحات الكتاب وفصوله، قيام الحركة الصهيونية وما بعدها بربط ثقافة مهاجريها الأوروبيين والمستوطنين وأبناء الدولة وغيرهم بالتراث الفلسطيني المحلي، في محاولة لتحوير أصالة هذه الأعمال الفنية أو على العكس إعطائها شرعية ليست لها، إلّا أنه لا يتطرق للحديث عن هذه المسألة فصلًا وتدقيقًا إلّا في الفصل الخامس من الكتاب، بعد أن كرّس الفصول الأولى للحديث عن تاريخيّة الفنّ الإسرائيلي والتحولات التي شهدها على مدى العصور منذ ظهور أولى إرهاصاته، اللحظة التي تبتعد أو تقترب من إسقاط التاريخ اليهودي - العبري على كلّ عمل فني قائم على مدى هذه الفترات المتلاحقة، بعيدًا من سيناريوهات الاستملاك الثقافي، التي تبقى في أغلب الأحيان محصورة داخل أبحاث أكاديمية تلعب وحسب على إرضاء الإيغو الغربي ولا تقدم إلّا صورة طفيفة عن ما يمكن أن يكون أصيلًا - جميلًا وتكوينينًا في الفن خارج التصورات المعطاة، وخارج الرواية التوراتية والوعود بالأرض، وأيضًا صورة الفلسطيني في أرضه، وكونه المراقب الحذر وحسب. إنّ استعراض هذه التاريخيّة لا يصبّ في توجيه الادّعاءات والاتهامات وحسب، والمطالبة بإعادة النظر إلى هذا التاريخ والتشكيك بمصداقيته، خصوصًا في قطاع حقل الفنون ( الفنّ الإسرائيلي هنا) بل גتعدّاه إلى ما هو أبعد بكثير، وهو إعطاء المساحة أيضًا للمشاهد سواء كان فلسطينيًا أو إسرائيليًا ليكون موجودًا في زمن كتابة هذه النصوص، في أن يكون فاعلًا أيضًا في الحياد عن فذلكة إتقان لغة الحقل الفنّي الحديث والمعاصر، خصوصًا في "علاقات الآخر الخاضع لهيكلة استعماريّة يمثّل الفنّان المجتمع الاستيطاني فيها"، مرورًا بمجموعة سالا - مانكا وهي مجموعة فنيّة إسرائيليّة تأسست في العام 2000 وتعمل في مجالات الفنّ الحديث والأداء والفيديو والصوت والتركيبات المعماريّة، وتحليل عملها خيمة الجهالين والعريشة الرمزيّة، وتقديم نقد أكاديمي واضح ليس لمشروع المجموعة ومعارضها وحسب بل في حقيقة أدلجة العمل باعتباره "أحد أفضل الأعمال الفنيّة التي حدثت في حقل الفن الإسرائيلي"، وجمودها في الزمن وعجزها عن إنتاج خطابات فنيّة / تعبيريّة جديدة، وفي كون أعضائها "أسرى للنظام العالمي بتجلّياته المحليّة" و"عدم قدرتهم على تخيّل ذاتهم خارج المنظومة الفكريّة التي تمّت صياغتها إسرائيليًا".

 

Abu_Suleiman_speaker of the _Jahalin_tribe_Symposium at the Israel Museum.png

عرض محمد أبو سليمان الكورشان في "حول التهجين والعبور واللاجئين". ندوة نظمتها سالا مانكا، في متحف إسرائيل في إطار مشروع العريشة الأبدية، 2.2.2016 (لقطة من الفيديو).
مداخلة محمد أبو سليمان الكورشان في "حول التهجين والعبور واللاجئين". ندوة نظمتها سالا مانكا، في متحف إسرائيل في إطار مشروع العريشة الأبدية، 2.2.2016 (لقطة من الفيديو).

 

ثم يتابع ليتطرق إلى بتسلئيل (الأكاديميّة التي سبق الحديث عنها) والضيقات التي يواجهها الطلاب الفلسطينيون في أكاديميات الفنون الإسرائيلية التي "تشكل عنفًا مؤسساتيًا على رسم حدود تعبيرهم بوضوح"، وهذا من خلال تحليل مقابلتين عدي شطيرن، الرئيس الحالي للمؤسسة، الأولى في العام 2016 بعد تولّيه المنصب والثانية في العام 2018، وتتويجه تل أبيب لتكون مركز الثقافة في البلاد، وتجرّد القدس في هذا الإطار لتصبح "تجربة حسيّة مكثّفة" من خلال ادعاء رئيسها لخطاب جماعي متنوّع يجمع أطياف المجتمع الإسرائيلي كلها تحت لوائه وهذا ما يعطيها "الأفضلية والسبق والتفوق على الأكاديميات الأخرى" مع إهمال تام للأكاديميات الأخرى في خطاباته ومقابلاته، إذ تصب "أفضليتها المتخيّلة" في موقعها الجغرافي وحسب، أكثر من جهودها وممارساتها في خلق التعددية والصورة التي تروّج بها لنفسها في الداخل المحلي وفي الخارج ومهمتها في "تشكيل مجتمع إسرائيلي أفضل". ليعود إلى قراءة تطورات المشهد الفني في القدس خلال العقود الأخيرة، آخذًا التحولات المكانية والفضائية نصب عينيه، وممارسات الطلاب الفلسطينيين في بتسلئيل ورسم حدود الحقل الفني السياسية، بالعودة إلى السيمينار التعليمي الذي امتد على عدة أيام في "بيت الكرمة" في حيفا في العام 2015 والذي نظّمه قسم التصوير في كليّة الفنون والتصميم بتسلئيل وجاء تحت ثيمة "المدن المختلطة"، في لحظة مفصلية للمؤسسة نفسها وخطاباتها عن التعددات الثقافية وخطاب الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، بعد أن كان للطلاب الفلسطينيين روايتهم الخاصة عن الواقع الفلسطيني وعن المكان، حيث اعتبروا أن البرنامج قد كان "رفضًا للرواية الصهيونيّة السلطويّة".

ثم يأتي الفصل الأخير ليكون خاتمة جمالية، يستعرض فيها الكاتب بعض الآراء والمقولات عن الفن والسياسة من خلال الحديث عن ثيودور أدورنو والوظيفة التقدمية للفنّ في المجتمع الحديث و جاك رانسيير و كليمنت غرينبرغ وينهي الكتاب بملحق للصور بتقنيّة ال QR code.