قَيد الترميم

كيف يجب تخطيط بينالي أثينا في حين أن الحال متقلّب في اليونان؟ خريستوس باريديس  (Christos Paridis) يكتب عن البينالي الخامس والسادس – مشروع ممتد على سنتين، يجمع الفني، السياسي والاجتماعي.

Advertisement

 ميدان أومونويا (Omonoia) هو أكثر المواقع شعبية في مركز أثينا. وتبدو علامات الركود الاقتصادي والتدهور الاجتماعي هنا أكثر من أي مكان آخر في المدينة: واجهات عرض مكسّرة، أسواق "بالة" تعرض ثيابًا رخيصة تحت قبة السماء، مهاجرون تعساء، مدمنون على المخدرات معدَمون ومشردون يملؤون كل ركن. هناك دعارة بجميع أنواعها تزدهر في الشوارع منذ بزوغ الشمس حتى مغيبها. يمكن العثور هنا على مقاصف طعام سريع ومحلات يانصيب الى جانب حوانيت تبيع صحفًا من كل العالم وجميع أنواع المجلات. هذا الجزء من المدينة، والذي كان مرة شارعها الرئيسي، اعتبر في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي مدخلَ المدينة بالنسبة للفلاحين الذين هاجروا إليها على أثر تفشي الفقر في المناطق الطرفية. أما أومونويا اليوم، فهي الهدف الأخير لمن تجرأوا على قطع بحر إيجة من تركيا، املا في الفرار من الفقر والعنف، وربما لضمان مستقبل أفضل في أوروبا أيضًا.

 

poka-yio_massimiliano_mollona_xenia_kalpaktsoglou_20153.jpg

مؤسسا بينالي أثينا (من اليسار: فوكا يو، زنيا كلبكتسوغولو) مع ماسيميليانو مولونا، مدير أومونويا الفني، بينالي أثينا 2016-2017
© نيسوس فسيلوبولوس

 

باغيون (Bageion)، هو فندق تاريخي عريق بناه أواخر القرن التاسع عشر المصمم المعماري الألماني إرنست زيلر (Ziller)، ويعلو في الميدان منذما يزيد عن مئة عام. القادمون الى الفندق اليوم يجدون أنفسهم في مركز بينالي أثينا. هذا الحدث الذي يُقام بدعم من بلدية المدينة، يجمع البينالي الخامس والسادس معًا وسيستمر لمدة سنتين (بدأ الحدث عام 2015 ويتوقع أن يستمر حتى أواخر 2017، مع افتتاح دوكومنتا 14 في أثينا. وهي المرة الأولى التي تفتتح فيها الدوكومنتا خارج ألمانيا وكاسيل). وعلى الرغم من أن الفندق كان جوهرة معمارية منذ إقامته، فقد ظل مهجورًا ومهمَلا الى أن رعاه مشروع البينالي. هذا المبنى النيو كلاسيكي المؤلف من ستة طوابق، يحتوي على سقوف عالية، ممرات وغرف ضيافة رحبة، منطقة استقبال وقاعات لافتة. يحتضن المكان تآكله بافتخار؛ الدهان المتقشّر يعكس الضوء من خلال النوافذ الضخمة التي تطلّ على الميدان التاريخي الأهم في المدينة. يستعير البينالي اسمه من الميدان، أومونويا، ويعني "النصر". وتلتقي في باغيون مرتين في الأسبوع مجموعات فنانين مشاركين في البينالي، من أجل تخطيط وتنفيذ المشاريع التي سيعرضونها في الأشهر القريبة القادمة.

 

nikos_kessanlis_rhinoceros_1997.jpg

نيكوس كسانليس. وحيد قرن. تقنية مختلطة، أحجام متغيّرة
1997 بلطف كلارا رومانوس © ديميتريس تسوفلكاس

 

افتتح البينالي بتاريخ 25 حزيران 2015. حيث عُرض في قاعة الاحتفالات القديمة في بغيون العمل الرمزي لنيكوس كسانليس (Kessanlis) (1930-2004),  بعنوان وحيد القرن (Rhinoceros 1997). هذا العمل الضخم المشغول بتقنيات مختلطة، والذي يقترح تأويلا جديدًا للنقش الشهير على الخشب لألبرخت ديرر (Dürer)، خلق تناقضًا حادًا مع المحيط المتآكل. وكان المعنى كما يبدو هو أنه بالامكان ويجب إعادة ملاءمة الفن للمكان والزمان. وعُرض الى جانب هذا العمل إنشاءٌ بعنوان قيد الترميم (Under Construction) لمجموعة Underconstruction Group بوحي من واجهة المبنى العريق. وجرى تعليق لافتة ضخمة على الواجهة وكُتب عليها باليونانية  Άντερ Κονστράξιον"" وتعني "قيد الترميم"، والتي يمكن تفسيرها كايماءة تحية فنية ترمز الى العمل المشترك لفنانين كثُر، يعملون معًا من أجل هدف جديد ومفيد.

 

underconstruction_group_under_construction_2015.jpg

Underconstruction Group قيد الترميم. 2015. Άντερ Κονστράξιον لافتة من الخشب، أحجام متغيرة.
©تسريلانا بتالي. بلطف Underconstruction Group

 

التقيت مع الفنان فوكا يو (Yio) أحد مؤسسي بينالي اثينا وقيّم مشارك لها، الى جانب مدير البينالي، ماسيميليانو مولونا  (Mollona) . شرح يو السبب في اختيار نموذج فترة السنتين بالقول: "حين نختار الانفتاح على التجريب، فلا يعني هذا أننا عارفون بالنتيجة. نحن نعتقد أنه لا يمكن لنا في الظروف التي تعيشها اليونان اليوم أن نقيم معرضًا تقليديا. مستقبل اليونان اليوم يقف في وسط سيرورة من اعادة التبلور، التقييم واعادة التعريف. وحين يكون كل شيء في وضع من عدم الاستقرار، فإن طابع البينالي أيضًا ستلفّه علامات السؤال. لذلك، يجب علينا أن نعكس هذا التقلّب من خلال انتاج مبنى مرن، مستمر، وأشبه بالورشة لهذا المشروع".

 لا شك في أن الأزمة الاقتصادية الاجتماعية اليونانية قد دفعت القيّمين الى بلورة إطارٍ لبينالي يتجاوز المتعارف عليه في معارض الفن – عرض أعمال فنية منتقاة بامتياز. ويتشكل قلب المشروع بالتالي من إطار للجدل والبحث، التعاون، وحوار مفتوح بين فنانين، ناشطين، ومجموعة اخرى ذات طروحات بديلة، في حين يحاول الجميع الاستفادة من ممتلكات عامة وتوسيع اطار تأثيرها في العهد السياسي الجديد واليقظة من أفكار ومثُل سياسية أكل الدهر عليها وشرب. يرى مولونا، وهو عالم إنسانيات وبروفيسور في "غولدسميث كوليج" بلندن، أن هذا البينالي هو فرصة، ليس لليونان فحسب بل لأوروبا برمتها، لصالح الخوض في تجربة ديمقراطية، تشاركية ومشتركة، بواسطة أشكال فنية جديدة من شأنها تغيير وتوسيع مدى النقاش حول المواضيع الحساسة والاجتماعية في أوروبا القرن الحادي والعشرين.

 

BiennaleOpenAssembly.jpg

اجتماع مفتوح للنقاش العام وتبادل المعرفة بين أكاديميين، ناشطين، مجموعات مستقلة وتعاونيات في فندق باغيون 19 نوفمبر.
2015 © نيسوس فسيلوبولوس

 

Synapse1.jpg

سينابسيس 1: عرض مختبر للإنتاج بعد 2011
باغيون © Communication Team — at Omonoia Square

 

التقت في كانون الأول الماضي مجموعات منخرطة في البينالي لمناقشة جوانب مختلفة للمشروع وبرنامجه، ضمن منتدى اسمه "سينابسيس 1" (تشابُك). واتفقتْ تلك المجموعات على مبدأ التشارك، غير المتعارف عليه كمفهوم ضمنًا في عالم الفن. ولكن، كي ينفّذ هذا المشروع التجريبي الفني، السياسي والاجتماعي وينجح، فإنه يحتاج الى التحصين في وجه ضرورة التسامي فوق المعايير السائدة المعهودة في البيناليهات. وقد حدد ذلك المبدأ النظامَ بين مجموعات مختلفة للمساهمة في بلورة الطابع والمبنى للمشروع برمته، ووجّه البينالي دعوة دولية مفتوحة الى كل المعنيين بالعمل والمساهمة فيه. حاليا بدأ عدد من المنظمات لأهداف غير ربحية، وفضاءات العرض البديلة، والمسرح القومي اليوناني ومجموعات مصوّرين، نحّاتين، رسامين وفنانين مفهوميين، بالعمل على مشاريع مرتبطة بحلبة الفن، حقوق الانسان وقضايا أخرى ساخنة في القطاع الاجتماعي.

هل يذكّر هذا بالساحة العامة في أثينا القديمة والتي عرفت بالـ "أغوره"؟ المقارنة معقولة بالتأكيد. كانت الأغوره موضوعَ البينالي الرابع وتشكل الصيغة الراهنة استمرارا له. في أواخر اذار افتتح منتدى "سينوبسيس 2" للجمهور العام. وإذا أسفر عن اقتراح طريق جديد، خلاّق وناجع للتقدم بالمشروع، فإن اجراءات التنظّم ستتبلور وفقًا لذلك. حاليًا ليس هناك اشارات ملموسة جديّة.

 

BiennaleCampusNovel.jpg

Campus Novel
باغيون © نيسوس فسيلوبولوس

 

ماذا سيتضمن البينالي الكبير اواخر عام 2017؟ فوكا لا يخشى الاسقاطات ويقول: "نأمل أن تظهِر النتائج تراكمًا مثمرًا لجميع العناصر المساهمة في هذه التجربة. نأمل أن يتبقى شيء ملموس بعد كل الأحاديث، حتى لو لم يكن ذلك اكثر من ورشة فن تشاركية. وكما سبق أن قلت، أثينا ليست بحاجة الى مهرجان فنون تقليدي جديد. الناس يتوقعون شيئا جديدا مغايرًا، يبقي خلفه شيئًا ذا معنى. والأساسي والضروري في أيامنا هذه ليس جانب الابداع في الفن فحسب، بل الابداع بكل الأنواع. من المهم ان تعاد موضعة الفن بحيث يساهم في التغيير الاجتماعي بشكل أكثر جدية، ولا يُحشر في الهامش كفائض عن الحاجة. اليوم، تم تقليص البنى التحتية والميزانيات الاجتماعية لدينا كدولة. لذلك يجب علينا أن نحذّر من فكرة أن الفن بات شيئا فائضًا عن الحاجة. آن أوان استغلال المهارة، العمل، الابداع، والجمالية لدينا من اجل الصالح العام".