من خلف الأبواب الزجاجية للمبنى الذي كان حتى العام الماضي فرعاً لبنك HSBC في شارع تجاري في لندن تجلت المساحة التي عرضت فيها أعمال الفنانين السوريين اللذين يسكنان في برلين، هبة الأنصاري وفادي الحموي، في شهر حزيران الأخير في أول معرض مشترك لهما. المعرض "بينما كنتم نائمين" الذي استضافه الجاليري اللندني المتنقل فرداشوجلو (Vardaxoglou) الذي يتواجد حالياً في فرع البنك سابقاً في شارع برومبطون، أقيم بيد كولكتيف "East of Elsewhere" المستقر في برلين. ويشمل المعرض مجموعة من الأغراض المنزلية التي تم تشويهها وتفكيكها من قبل الفنانين بحيث تعكس الطريقة التي تتغلغل فيها الصراعات إلى الحياة اليومية.
تستقبل رواد الجاليري البورتريهات الغريبة في عمل الأنصاري بلا عنوان (2016). صنعت هذه من أغطية سرير بدوية تقليدية وخرز ملون تزين، من جهة، وتشوه، من جهة أخرى، الشخصيات التي تظهر في البورتريهات المدهشة. وقد بنت الأنصاري البورتريهات من أغراض منزلية مفككة تعكس دفئاً وبعداً في ذات الوقت وتحاكي بذلك التناقضات التي تنطوي عليها التجربة اليومية للحرب.
مقابل البورتريهات ثبت عملين للحموي، غنيمة (Spoils) وغنيمة 2 (Spoils II) ، هما عبارة عن قطعتي قماش كبيرتا الحجم تحملان رسوماً بالفحم لجثث أبقار. حجم العملين الضخم يضطر المشاهدين إلى مواجهة الاستعراض الغريب للموت الذي يتجسد بجثث الأبقار ويمنعهم من تحويل نظرهم بعيداً عن الفظاعة.
بينما نظرت عيون الخرز في بورتريهات الأنصاري إلى الزوار ببرود، كانت أعين جثث الحموي فجوات مظلمة تبث فراغاً ظاهراً للعيان. في المساحة الواقعة بين هذه العيون وتلك، كانت الأرضية مغطاة بالتناقضات- سجادة من باطون وبطانية من صوف خرفان نبشت حشوتها وأخرجت منها. عمل الحموي، لولب غير منطقي من الغبار (Irrational Loop of Dust, 2017) هو تجسيد للمنزل البعيد- سجادة من بيت الفنان في دمشق اعاد بنائها من الباطون. "بينما كنتم نائمين" يدعو المشاهدين للتفاعل مع الغرض والمساهمة في جعله بالياً ورثاً، الأمر الذي يحدث بشكل طبيعي في بيئة المنزل.
بالقرب من لولب غير منطقي من الغبار وضع على الأرضية عمل دقة (Decke) للأنصاري- بطانية زرقاء طرزت عليها الفنانة خارطة الشوارع في الرقة، المدينة التي ولدت فيها. الرقة التي سقطت عام 2013 بيد الثوار السوريين ومن ثم احتلتها داعش، أصبحت في 2014 عاصمة داعش الفعلية. وقد تحولت نتيجة لذلك لهدف للقصف الجوي من قبل النظام السوري، روسيا والولايات المتحدة. لتصوير خراب المدينة وتحديد مواقع القصف على الخارطة المطرزة، مزقت الأنصاري البطانية وأخرجت منها حشوة الصوف. على حائط قريب، علقت رسومات تعرض شوارع المدينة قبل وبعد القصف. تقدم الرسومات تذكيرا هاماً بأن هذا العنف يعتمد على أحداث حقيقية بمستوى ضخم. يثير عمل دقة في الذهن في ذات الوقت خراب المدينة وإسقاطاته على الفرد.
في الغرفة الخلفية للجاليري يتواجد عمل الحموي التركيبي فوق سريري (Over My Bed)- سرير مفرد مغطى بشرشف أبيض تنتشر عليه دمى ذائبة على هيئة جنود. الحموي بدأ بجمع دمى الجنود عام 2012، مع بداية الحرب الأهلية في سوريا، عندما تم نصب حاجز عسكري في الطريق من بيته إلى الاستوديو. عندما عرض عمل فوق سريري للمرة الأولى عام 2012 كان الجنود سليمين. أما في هذه المرة فتم صهر الدمى بحيث تحول الجنود لبقع خضراء بعض الشيء على الشرشف الناصع. صورة للتنصيب الأصلي تدعو زوار معرض "بينما كنتم نائمين" إلى غرفة نوم الحموي في دمشق حيث نصب العمل قبل ست سنوات.
في أسفل الدرجات، في ما يشبه القبو او السرداب، يغيب التطرق للبيئة المنزلية بسرعة خاطفة ولكن موتيف العجز مقابل القوة الساحقة يبقى على حاله. في عمل الفيديو سكر صناعي (Artificial Sugar) (2015) للحموي تظهر دمية لا وجه لها محاطة بالنمل. بعد أن تقع الدمية على وجهها، يقوم النمل بجرها من مكانها. التمثال الصغير للرجل عديم الوجه الذي يرتدي بدلة ويغطيه السكر هو غرض دنيوي آخر في حالة متغيرة.
المادية المشوهه لأغراض عادية والصيغ التالفة للأغراض المنزلية في معرض "بينما كنتم نائمين" تعرض على الملأ كيف تتغلغل انعكاسات الصراع في الحياة اليومية وتمتزج قسراً مع روتين الحياة. ما كان هفاً ودافئاً ذاب وتمزق.
نظم معرض "بينما كنتم نائمين" في فرداشوجلو بين 13-20 تموز، 2018. قريباً سيكون بالإمكان مشاهدة أعمال فادي الحموي في "معرض الآخرين" (The Others Fair) في تورينو بإيطاليا بين 1-4 تشرين ثاني، 2018.