المستقبليّة الافريقية والمستقبلية العربية: تأملات معاصرة من الشتات
كتابتها لمجلة توهو مقالا يستعرض كتابًا بموضوع المستقبلية-الافريقية، قاد لمى سليمان الى تقصي وبحث مفهوم المستقبلية العربية، الذي لا زال يخطو خطواته الأولى، ارتباطًا بالقوة الكامنة في هذه الفكرة كي تشكل مركبًا مركزيا في الجدل الراهن حول الثقافة العربية عموما والثقافة الفلسطينية خصوصًا
Anderson, Reynaldo, and Charles E. Jones. Afrofuturism 2.0: The Rise of Astro-Blackness. London: Lexington Books, 2016, 240 pages
كتاب المستقبلية الافريقية: 2.0 صعود السواد-الفلكي، الذي حرره كل من الباحث في الاعلام رينالدو أندرسون (Anderson) والبروفيسور المختص في أفريقيا تشارلز أ. جونز (Jones)، هو مجموعة مقالات تتقصّى المستقبلية الافريقية (Afrofuturism) كـ جانر يقع ضمن النشاط والانتاج الثقافي الافريقي في الشتات، وكذلك كإطار تحليلي ونقدي يقع ضمن حقول دراسية مختلفة للثقافات التقنية السوداء. وقد سعى المحرران والكتّاب الى تعريف ما أسموه بـ "السواد-الفلكي"، وهو وضعية "يتحرر فيها الوعي الأسود لدى المرء من عقلية العبودية أو الكولونيالية المؤدية للانغلاق والشلل، ويدرك كثرة وتنويعة الامكانيات والاحتمالات المتوفرة في الكون".1
كقارئة قليلة الاكتراث عادة بالخيال العلمي (وهو انجذاب غالبًا ما ينطوي على تناقض، مرة بدافع الهروب الاستهلاكي ومرة اخرى انجذاب لخيال تحرري-أناركي)، وجدت في الكتاب ما يتجاوز التجربة التربوية بل طرحًا لأسئلة مستفزة وضرورية حول الثقافة العربية الشاملة، التي يمكن تأويلها من خلال حالات متعددة لحالات الوجود الفلسطينية – تلك الحاضرة، الغائبة أو المتخيّلة.
ظهرت المستقبلية الافريقية للمرة الأولى كتعبير خلال عمل من يعتبر المبشّر بفكرة المستقبلية-الافريقية، فنان الجاز سان را، الذي عمل من غياهب العنصرية والاقصاء اللتين فرضتهما المؤسسة الأمريكية الحاكمة في خمسينيات القرن الماضي. لقد قام را بمزج خليط من الرموز الافريقية والشعر والفلسفة. فعل ذلك بواسطة تمثيلات بصرية/صورية من خارج الأرض وتوليفات وهمية بين تكنولوجيات قديمة وأخرى فضائية. فقد تخيّل ماضي وحاضر الكينونة الافريقية في الشتات واعاد انتاجها، غالبًا من خلال سخرية ملمّحة أو مبطّنة. "را حاول في فيلمه 1974, Space is the Place انقاذ سكان كوكب الأرض، بأن عرَض عليهم مواقع وموارد عمل في الفضاء الخارجي، في مجمع الشركات Outer Spaceways Incorporated ولكن بما انه لا يوجد مردود مادي لتلك الوظائف بل انها منوطة أصلا بالتنازل عن ملذات وخطايا هذا العالم، فلم يسارع سوى قلائل لتلقف العرض" (ص65).
سان را، مشهد من "الفضاء هو المكان" (Space is the Place, 1974)
كان موسيقيّ الفانك (Funk) جورج كلينتو (Clinton)، على امتداد سبعينيات القرن العشرين، هو من قاد استخدام المستقبلية الافريقية كتعبير وحوّله الى جانر مهم. لاحقا، ازدادت المستقبلية الافريقية وضوحًا وتحديدا كإطار للتعبير الفني بواسطة أدب الخيال العلمي الذي كتبه اوكتافيا باتلر (Butler) وصموئيل ر. ديليني Delaney))، فتحوّل الى حقل خطابي معترف به في تسعينيات القرن العشرين، على أثر الدراسات التحليلة والنقدية التي ألفها كل من مارك ديري (Dery)، كودفو ايشون (Eshun), مارك سينكر (Sinker), وبول غيلروي (Gilroy) . لقد تم ترسيخ مصطلح "المستقبلية- الافريقية" عام 1993 من قبل الناقد الثقافي مارك ديري، وذلك في تطرّقه الى حقيقة أنه كان من النادر العثور على عمل ابداعي اسود في جانر الخيال العلمي، مقابل انعدام التمثيل التام للامريكان-الافارقة في هذا النوع الأدبي. منذ ذلك الحين، واصلت المستقبلية الافريقية التطوّر نحو سياق ثقافي افريقي شامل، مع استخدامها تقنيّات متطورة لغرض التجوال ما بين الماضي، الحاضر والمستقبل.
حتى لو بدت المستقبلية الافريقية (أو تعرضت للنقد) بوصفها اسلوبًا لتملـّك ثقافة الخيال العلمي الشائعة بنمطها الغربي الأبيض، فإنه توجد جذور عميقة لهذه الفكرة ولتطورها، وهي جذور ضاربة في الثقافة السوداء وتاريخ الشتات الافريقي. في أحد أثرى فصول كتاب Afrofuturism 2.0 تحليلاً، وعنوانه: "أثر الحرب الفانية: المستقبلية الافريقية وعلم السياسة الزمني لشعب فضائي"، يُظهر الباحث الكندي توفياس فان فين (van Veen) كيف أن "عددا من الأعمال الثقافية لمبدعين في الشتات الافريقي قد تبنى بحماسة صور الكائنات الفضائية، الفضاء الخارجي والعوالم الأخرى. بين الموتيفات المركزية في الصور المذكورة تجارة العبيد عبر المحيط الأطلسي، والتي تُروى وتُتَخيَّل كاختطاف قامت به كائنات فضائية تجلب معها نهاية العالم" (ص68). وسواء أكانت المستقبلية الافريقية تستخدم استعارات يمكن العثور عليها في الخيال العلمي الغربي المختلّ، مثل الاختطاف من قبل كائنات فضائية او عبودية الروبوت، ففي هذه الحالة سبق للفناء أن وقع: انه نفسه قصة الخلق التي تطورت المستقبلية الافريقية منها. وبعبارة الكاتب البريطاني مارك سينكر، الواردة في الفصل الرابع من الكتاب المشار اليه (كتبت عام 1992):
لقد هبطت السفن منذ وقت طويل. خرّبت الكثير من المجتمعات وخطفت سكانا كثيرين وغيرتهم جينيًا وفرضت عليهم قيمها دون هوادة. افريقيا وأمريكا – وبالتالي اوروبا وآسيا أيضًا – باتت في وجهاتها المختلفة بمثابة "شعب خارجي دخيل"(Alien Nation)2 فقد امكانية العودة الى وضع طبيعي. الى أية "طبيعية" يمكن العودة بعد؟3
ان القراءة الشرق-أوسطية المتشائمة والمتفجعة لهذه الكلمات قد تجد شيئا من الحنين المشوب بالعزاء داخل كل هذا اليأس السائد، وذلك في حقيقة أنه ليس في الواقع امكانية للعودة.4 ولكن بالنسبة للثقافة الافريقية في الشتات، وخصوصا بتعبيرها المستقبلي-الافريقي، يمكن لهذا اليأس ان يفضي الى اعادة انشاء السرديات التي تصف "الفراغ التاريخي والثقافي الذي خلّفه وراءه "الانتقال المرحلي" 5(ص69).
هناك تعبيرات راهنة أكثر للمستقبلية الافريقية – مثل الهيب-هوب، الخيال العلمي النسوي، المجسمات، الفضاء المحوسب، وصور فنية كلاسيكية ايضًا، وهي تتناول مواضيع تتجاوز التعاطي المباشر مع العنف الكولونيالي. مثلا، أحد فصول الكتاب الاخرى يتمعّن في اللوحة بعنوان: "لا لست نادمة" (Non je ne regrette rien, 2007) للفنانة فنغيتشي موتو (Mutu)، وهي من مواليد كينيا وتعيش في بروكلين – بوصفها تعبيرًا يطبق قواعد الانسان السايبري 6cyborg grammar
من خلال استخدام تقنيات التفكيك واعادة البناء، تشكّل موتو في هذه اللوحة انسانا سايبريًا مشوه ومقطع الاطراف، انسان-آلة-حيوان، مؤلف من من اجزاء مختلفة: ذيل عقرب، عجلة دراجة نارية، حافر حيوان، أفعى وورود متفتحة. هذا العمل يستخدم المستقبلية الافريقية كممارسة تاريخية وثقافية تدعم من يسعون الى تجاوز مسلمات مثل التشييء الجندري وخطاب الضحوية:
موتو تعيد تعريف حيّزات رأس المال والتجارة التي عرضت النساء الافريقيات تاريخيًا كأغراض استهلاكية – بدءًا بمجلات التجميل وحتى المنشورات العلمية وكتب تدريس علم التشريح – لوحة "لا، لست نادمة" يشوّش عرض جسد المرأة السوداء كنقطة تشتق فيها ومنها معادلات عرفية للعرق، الجندر والجنس... العمل يطالبنا باعادة تقييم معنى ان تكوني سوداء، مرأة، وانسانة في القرن الحادي والعشرين.7
حين نلقي على المستقبلية الافريقية نظرة واسعة، مثلما يحاول الكتاب قوله، فيمكن لها أن تشكل اطرًا تحليلية يتقصى افكارا وممارسات تتناول جوهر الزمانية في الانتاج الثقافي الافريقي. وبالفعل، فإن العديد من الابحاث والأمثلة التي يشملها الكتاب على امتداده تشير الى ازدياد استخدام جماليات المستقبلية والخيال العلمي، على أثر ادراك اهميتها ووقعها السياسي بالنسبة للثقافة الافريقية في الشتات. الى جانب ذلك، يتساءل العديد من النقاد عما اذا كان الخيال العلمي المستقبلي الافريقي مرتبطًا فعلا بافريقيا، أم أنه يمكن العثور فيه، بالقدر نفسه على الأقل، على تأثيرات لثقافة السايبر الغربية، الرأسمالية التقنية أو بُنى السلطة؟ هنا يجدر القول ان المستقبلية الافريقية في غير الشتات الافريقي، غائبة تماما من الكتاب. وسواء أكان هذا النوع من المستقبلية الافريقية في طور التكوّن أم لا، فإن غيابه من البحث يشير الى أن الشرخ التاريخي بين افريقيا وبين الشتات قد يكون أعمق مما يمكن ان تشير اليه خلاصات تحليل الانتاج الثقافي الافريقي المقترحة تحت مجهر المستقبلية الافريقية.
ان أسئلة وجود المستقبلية الافريقية الشاملة لا تزال على حالها كموضوع بحث مستقبلي، ولكن في الوقت الراهن، تقترح المستقبلية الافريقية، فكرا وممارسة، على القارئ المعاصر في الشتات فكرة من شأنها أن تقودنا في سياق العروبة الى خلاصات بديلة بخصوص التاريخ والمستقبل. ففي قراءة فلسطينية، تردد المستقبلية الافريقية صدى تجارب وذكريات جماعية: انها تتعاطى مع موتيفات مثل نهاية العالم التي سبق وقوعها، واستحالة العودة الى الطبيعي، وكذلك أنظمة السلطة الكولونيالية، العنصرية، الاقصاء، التهجير، والهويات الجماعية للضحوية. في الوقت نفسه يجدر النظر الى السرديات الفلسطينية عن الفقدان، التهجير والنكبة كجزء من سردية عربية أوسع، ومن منظور عربي شامل. هكذا يمكن للثقافتين الفلسطينية والعربية أن تباشرا بحثًا ما بعد بعد كولونيالي للذات وللهويات الجماعية. أي أنه يمكن للمستقبلية الافريقية من خلال هذه القراءة، ان تعرض على ثقافات الشتات8 امكانية تفكيك واعادة بناء التاريخ بما يتجاوز الحدود والقيود الجغرافية والمعنوية المعطاة.
بالتالي، فليس من المفاجئ العثور في الانترنت على مقترح متواضع في بيان الفنان سليمان مجليTowards Arabfuturism/s (نحو مستقبلية/ات عربية) والذي نشر في مجلة الانترنت Novelty عام 2015:
تطرح أفكار الانتماء تحديات على الدوام... فليس هناك هوية او ثقافة متجانسة... استخدام "المستقبلية" هنا لا يسعى الى اعتماد المستقبلية كحركة، مثلما لا يمكن اعتمادها كعلم لدراسة المستقبل. عوضًا عن ذلك، المستقبلية تنظر نحو المستقبل. تشخّص شرخًا ثقافيًا ينطوي على تحدٍّ، تقحم نفسها الى الأمام، نحو ما يوجد خلف السرديات المهيمنة والمركزانية الاوروبية المنتهجة [...] يمكن لهذه الأفكار أن تساهم في ثقافة مناهضة للتفكير والممارسة آخذة بالتطور، والتي من شأنها أن تستخدم في اللحظة المؤاتية لبناء أوضاع بديلة لما هو آخذ بالتشكّل.
لربما أن هذا هو الاستخدام الأول لمفهوم المستقبلية العربية (Arabfuturism)، ولكن هناك تعبيرات مستقبلية عربية تبزغ في السنوات الأخيرة على نحو متزايد، حتى لو لم يتم تعريفها هكذا بشكل صريح. خلال البحث المضني عن تعبيرات كهذه، قادتني الى زوايا قصيّة جدا على الانترنت، ظهرت فجأة صورة غير اعتيادية. "خوذة" (2016)، للفنان اللبناني أيمن بعلبكي، هي غرض مقلق للراحة لكنه آسر بجماله وينطوي على خلط للماضي، الحاضر والمستقبل دون تمييز. التصميم المشدّد للخط العربي الذي تم نقشه على لوحة معدنية، يطرح مسائل مرتبطة بالاسلام، العسكرة، وحتى علم الفلك. يبدو أن الدمج ما بين القديم والمستقبلي يحوّل، اوتوماتيكيا، كل تمثيل ممكن الى مفارقة.
علاوة على ذلك، يبدو ان الاهتمام بالمستقبلية العربية آخذ في الازدياد – فتعقد في الغرب وفي العالم العربي مؤتمرات ومعارض فنية متنوعة حول الخيال العلمي في الادب، السينما وسائر التعبيرات. أحد الأمثلة الطريفة بشكل خاص، مع أنه ينحرف قليلا عن موضوعنا، هو مشروع التاريخ البديل المسمى "سيرة حياة الصوفي الرحالة الحاج فلاديمير لينين The Life of the Wandering Sufi Al-Hajj Vladimir Lenin. حتى أنه بدأت بالظهور أفلام خيال علمي من الدرجة الثانية:
Topaz Duo. Cosmic Phoenix. 2013. 12:37 min9
في سياق فلسطيني أكثر تحديدًا، تدمج الفنانة لاريسا صنصور مواضيع مستقبلية في قسم من أعمالها.10 اكسودوس الى الفضاء (A Space Exodus, 2009)هو عمل يقوم على الفيلم الأيقوني Space Odyssey، وفيه تتحول صنصور الى الفلسطينية الأولى التي تغرس علما في رمال القمر: "خطوة صغيرة لهذه الفلسطينية، خطوة عظيمة للبشرية". وفيما يتجاوز كونه خيالا ساذجا عن واقع امكانية وصول فلسطينيين الى القمر، فإن اكسودوس الى الفضاء هو تمثيل بصري قاتم للفلسطيني المهجر الى أبعد ما يمكن – حتى القمر – حيث يغيب وحيدا في الفضاء الخارجي، الى هوة النسيان.
طوّرت صنصور في السنة نفسها ايضًا سلسلة تصوير قصيرة تشمل صورًا صغيرة لفضائيين فلسطينيين يستنسخون أنفسهم على نحو متكرر. سلسلة ((Palestinauts, 2012) هي تكريم للمزيد من الفلسطينيين-الفضائيين الذين "أمسكوا بزمام الأمور" سواء بالهجرة، الشتات أو امكانيات وجودية-فلكية أخرى.
بين الأعمال الأخرى لصنصور، ممتلكات الأمة (Nation Estate, 2012) وهو فيلم خيال علمي قصير يتقصى المعمار المختلّ للدولة الفلسطينية، ويعرضها كمجموعة من ناطحات السحاب الشفافة التي يظهر من خلالها المنظر الطبيعي للبلاد، التي يزيّنها جدار الفصل العنصري الذي ما زال قائما على حاله.
تجدر الاشارة الى أنه مثلما في المستقبلية الافريقية، توجد في المستقبلية العربية فروق بين تلك التعبيرات المستقبيلة التي في الشتات وبين تلك الاصلانية منها، بحيث ان اعمال الفنانين العاملين في اوروبا، مثل صنصور، بعلبكي ومجالي، تحث على التقصي الأكثر تعمقًا لهذه الفروق. أحد تفسيرات هذا التشخيص يكمن في بُنى السلطة في الشرق الأوسط، والتي تسيّر التفكير والخيال بشكل يكرّس الشعور بالضحويّة، الانغلاق القومي/الديني ووعي النكبة.
الفرقة الموسيقية "تشويش" 11(فلسطينية الأصل) تردد بدورها صدى عدد من القيم التي تدفعها اساليب التعبير المستقبلية. فيلم الفيديو التجريبي القصير "مقدمة" Intro) عام 2009) هو كولاج مكتظّ وايقاعي لمواد أرشيفية صوتية وبصرية. ويبدأ بصور بالأبيض والأسود لشواطئ مشمسة، لقاءات اجتماعية، واشخاص فرحين يلهون ويغنون، وهنا يتبدل المشهد بصور قاتمة، مشوشة ومشوهة لتفجيرات وهلع. جاء في مقال نقدي لصحيفة The National انه "بدون فهم أية كلمة يمكننا بوضوح رؤية حدوث كارثة من القطع الملتبسة والدائرية". ومثلما تتوقفبحدة موسيقى تريب-هوب منتظمة، يتبدل المشهد مرة اخرى الى صور خاطفة لانتفاضات، حفلات تنكرية لسياسيي أوسلو، ومقاطع من فيلم هوليوودي قديم: "لا أدري ما اذا كان عبدًا أم رجلا أبيض".
تشويش، مقدمة,2009
قد يكون التعريف "مستقبلية عربية" متحمسًا بعض الشيء. بالرغم من ذلك، واضح ان أعمالا كالتي سبق ذكرها هنا، هي أعمال منخرطة في التجريب بشأن التاريخ، اعادة الصياغة، التكنولوجيا والمستقبل الغائب. وكما يقول احد اعضاء فرقة تشويش، باسل عباس: "يوجد في قلب العمل تأمل في المشهد الراهن للعالم العربي من خلال استخدام مواد قديمة وجديدة.. بهذه الطريقة نحن نرى الماضي والحاضر دائما كجزء من اللحظة نفسها، انهما مرتبطان جدًا حين تنظر اليهما بعين السياسة".12
إن التقنيات والأفكار التي تقترحها "تشويش" يمكن أن ننظر اليها كمستقبلية، أو كموتيفات يمكن العثور عليها في اعمال وتعبيرات كثيرة اخرى، دونما علاقة للمستقبلية. ليس قاطعًا ما يمكن تصنيفه كمستقبلي حين يتعلق الأمر بالخصائص العينية لثقافات عربية مختلفة. ومع هذا، يمكن لبنى التفكير المستقبلية أن تساعدنا أكثر في تقييم وتفسير ممارسات "منخرطة تمامًا في ابتداع مستقبلات بديلة او كتابة جديدة عن الماضي، من أجل تغيير الحاضر (الذي يتم تخيّل المستقبلات من داخله)" 13.
لربما لا زالت المستقبلية العربية مقتصرة على التعبير في الشتات، لكن الأمثلة التي أوردها المقال هنا تلامس السطح فحسب، وهي تلمّح الى أنه يجب الحفر أعمق لغرض تحويل الوقائع المختلّة لدينا الى بحث يوتوبي عربي شامل للماضي، من زاوية نظر تطلّ على المستقبل.
- 1. Anderson & Jones, Afrofuturism 2.0: The Rise of Astro-Blackness, (London: Lexington Books, 2016), vii.
- 2. Alien Nation هو عنوان فيلم خيال علمي امريكي كلاسيكي عام 1988، يبدأ بهبوط سفينة فضاء مليئة بعبيد من الكائنات الفضائية في لوس انجلس – وهم يحاولون الاندماج مع سكان المدينة. في اعقاب الفيلم تم انتاج مسلسل بالعنوان نفسه، رسوم متحركة وغيرها.
- 3. Sinker in Anderson & Jones, 2016, 64.
- 4. يجدر الانتباه الى السخرية الكامنة في استخدام سنكر "أمة غريبة" كتعاطي المستقبلية الافريقية مع الغربة.
- 5. "الانتقال المرحلي" (The Middle Passage) هو المصطلح المستخدم لانتقال سفن العبيد من غرب افريقيا الى جزر الهند الغربية حاملة معها ملايين الافارقة المستعبدين الى "العالم الجديد".
- 6. الكائن السايبري هو شخصية نظرية او وهمية تفوق قدراتها محدوديات الانسان العادي، وذلك بواسطة عناصر تقنية تم ادخالها الى جسده.
- 7. Anderson & Jones, 17-18.
- 8. ثقافات الشتات بوصفها ثقافات تم تمزيقها بعد الاقتلاع والتهجير. كينونة الشتات ينمكن أن تتجسد في الاصلانية، الغربة أو الهرب الى ملاذ، أو كل ا بينها.
- 9. لمشاهدة الفيلم الكامل
- 10. عرضت صنصور مؤخرا معرضًا فرديًا بعنوان "لقد تناولوا الطعام في المستقبل من أفخم أواني الخارصين"، في - Mosaic Rooms ، لندن. المعرض مفتوح حتى 20 آب، 2016.
- 11. جزء من مجموعة رام الله اندرغراوند
- 12. Alex Ritman. "Running Interference: Tashweesh Have Come a Long Way from Hip-hop Roots " The National. May 3, 2011. Accessed June 02, 2016.
- 13. Anderson & Jones,80.