التصوير المحلي
لماذا لم يدرّسوا، لأعوام طويلة، عمل المصوّرين المحلّيين، في قسم التصوير في بتسلئيل، على مدار تحوّلاته؟ هل كان هنا تصوير محلّي تناول الصلة بين الإنسان والمكان؟ يحاول حجاي أولريخ أن يفحص تاريخ التصوير المحلي في أعقاب صدور كتاب نوعاه تصدقا حقيقة التّصوير الفوتوغرافي هي حقيقة طبيعيّة- سجلّ قسم التّصوير.
نوعا تصدقا، حقيقة التّصوير الفوتوغرافي هي حقيقة طبيعيّة- سجلّ قسم التّصوير، منشورات رسلينغ، تل أبيب، 2018. 364 صفحة.
נועה צדקה, האמת הפוטוגרפית אמת טבעית היא - כרוניקה של מחלקה לצילום, רסלינג, תל אביב, 2018. 364 עמודים.
يكشف كتاب نوعاه تصدقا، حقيقة التّصوير الفوتوغرافي هي حقيقة طبيعيّة- سجلّ قسم التّصوير، بالتّفصيل عن تاريخ قسم التّصوير في كلية بتسلئيل، وذلك منذ تأسيسه عام 1906 على يد بوريس شاتس، وعبر انتقالاته المختلفة منذ أن كان وحدةً توفّر خدمات التصوير وحتى ختام الدورة المستقلّة الأولى عام 1984. العنوان الثانوي غير الرسمي، والذي يظهر على الغلاف وحسب، ربّما كرسم توضيحيّ، (دراسة من تأليف ورؤية فنانة/مصوّرة/ مدرّسة ومحاضرة في فنّ التصوير)، يؤكّد أنّها ليست دراسةً تسعى إلى استحضار قصّة تاريخيّة فقط، وإنّما للإشارة إلى انخراط المؤلفة وموقفها النّقدي.
ينقسم الكتاب إلى أربعة فصول تركز على الشخصيات التي أدارت الوحدة على مر السنين. تتناول الفصول الثلاثة الأولى، والتي تشكل النصف الأول من الكتاب، الفترة التي سبقت تأسيس قسم التصوير: يركز الفصل الأول على يعقوب بن دوف، الذي تمّ تعيينه عام 1910 رئيسًا ل"قسم التصوير" (أطلقوا عليه أيضًا اسم " قسم الرسم الضوئيّ)، والذي عمل على نشر الفكرة الصهيونيّة بواسطة الفنّ ورأى في التصوير أداة مساعدة في تحضير الرسومات والنقوش في بتسلئيل ال "قديمة" (1906-1929) ؛ يتناول الفصل الثاني شخصية لو لنداور التي أسست عام 1941 "قسم التّصوير" وأحيانًا "فرع التصوير".1 ويركّز الفصل الثالث على أبراهام هاوزر، بهيره عيدن وإفرايم دجاني الّذين أداروا دروس التصوير في أقسام أخرى.2 في هذه الفصول تحضر الوثائق التاريخيّة والنماذج والإحالات والمستندات الشخصيّة (القصاصات، الصور، الوثائق الممسوحة، مقاطع من نصوص، إيصالات، رسائل). إلى جانبها تظهر ردود تصدقا: ملاحظات، أسئلة شخصيّة، تعجّب، إبراز نقاط، تساؤلات حول مشاعر الشخصيات في الكتاب، وغيرها.
يركز الفصل الرابع على تحويل وحدة التصوير إلى قسم يمنح درجة البكالوريوس، وعلى شخصية مؤسسه حنان لسكين. يتكون هذا الفصل إلى حد كبير من مقابلات مع محاضري القسم والطلبة، إلى جانب سيرهم وأعمالهم بإيجاز. في هذا الفصل، على وجه الخصوص، تصوغ تصدقا الرواية الثانوية، الناقدة، للكتاب بطريقة غير مباشرة من خلال أسئلة متكررة: هل درّسوا في بتسلئيل التصوير المحلي، وإن لم يفعلوا، فما هو السبب؟ لماذا لم تكن هناك تقريبا نساء يدرسن في القسم؟ ولماذا لم يدرّسوا عن المصورين المحليين في ذلك الوقت؟
جاء لسكين لتدريس فن التصوير في قسم الفنون عام 1972، ومن ضمن أمور أخرى، بادر إلى إدخال الفيديو إلى القسم. يروي إن معلمي الرسم والنحت شكّكوا في مكانة التصوير بصفته وسيلة للتعبير الشخصي، الأمر الذي خلق صعوبات كثيرة. في عام 1977، وبموافقة مجلس الشيوخ في بتسلئيل، قرر ترك قسم الفن وتأسيس وحدة مشتركة للتصوير والفيديو التي من شأنها أن تشكّل دليلا لقسم التصوير. لقد استقطب فنانين ومحاضرين لكلية بتسلئيل درسوا التصوير في الولايات المتحدة ، مثل يوسف كوهين وسيمحا شيرمان. في عام 1980 صادق زبولون همر وزير التربية والتعليم ومجلس التعليم العالي على تأسيس قسم التصوير- الأول من نوعه في البلاد في مجاله والذي يمنح لقب BFA – وترأس لسكين القسم حتى عام 1995.
تكتب تصدقا قائلة إنّه منذ منتصف السبعينات وحتى منتصف ثمانينات القرن المنصرم، كان يُنظر إلى لسكين بصفته متحدثًا باسم التصوير الفوتوغرافي كفنّ في البلاد.3 ويوصف في الكتاب كمن سعى إلى تدريس التصوير كأداة للتعبير الشخصيّ "بطريقة خطية، واضحة، جديّة ومتّزنة" وشدّد إلى حدّ كبير على التكنولوجيا وعلى الورشات التفكيريّة. في عهده، ركّز القسم على التاريخ وعلى نظريّة التصوير الغربيّ، والتي دافعت عن التصوير المباشر، الصّافي، الذي دار حول مقاربة مصوّرين أمريكيين مثل أنسل آدمز، إدوارد ويستون، ووكر إيفانس، ومصورين أوروبيين بعينهم مثل يوجين أتجيه. من المصورين المذكورين كأصحاب تأثير في روح القسم هم لي فريدلندر، جاري وينوغراند، ديان آربوس، يوجين سميث، روبرت فرانك وآخرون.
بالطبع، ثمّة اختلافات عميقة في مقاربات هؤلاء المصورين، الذين يُعتبرون "أسياد" التصوير الغربي، لكن معظمهم يستخدمون الكاميرا والتصوير المباشر دون معالجة للطباعة، ويحاولون وصف الواقع من خلال التحكم بالكاميرا وإنشاء الإطار. يتمتع جميعهم بالتحكم التكنولوجي بالكاميرا والطباعة، فهم التأطير في الإطار، خلق معنى بالنسبة إلى زاوية الرؤية، إخراج الموضوع من سياقه - وهي عناصر غير موجودة في التصوير الفوتوغرافي كفن مفاهيمي، أو تصوير يوثّق الأداء، التي سادت في ذلك الوقت. وفقًا لجوزيف كوهين "لم يكن هناك أسياد [محليون] وكان من مهام القسم خلق مستوى دولي من النشاط الفوتوغرافي هنا".4 قال إنّه كان هناك بعض "المصورين الرائعين"، مثل ألفريد بيرنهايم ، أو دجاني كمصوّر بورتريهات، ومصورون عملوا مع الوكالة من قبل قيام الدولة مثل شموئيل يوسف شفايغ وشلومو نارينسكي، ولكن "عندما تحدثتِ عن فن التصوير (...) لم يكن هناك من شيء حقًا".5
لا يرتبط تأثير التصوير الأمريكي باللغة الفوتوغرافية وحسب، وإنّما أيضًا بالطريقة التي يتم بها توثيق الفضاء والحياة الاجتماعية كمقولة شخصية وخاصّة بالمصور، والتي يتم التعبير عنها في أشكال بصرية محددة من التصوير الفوتوغرافي. ييجال شيم توف، الذي درس في القسم وبعدها مباشرة بدأ التدريس فيه، يواصل إدعاء كوهين- أنه لم يكن ثمّة تصوير هنا كفنّ - ويزعم أنه لم يكن "تصوير من قبل أولئك الذين يسعون للتعليق على محيطهم أو عالمهم الداخلي. (...) لم يكن هناك تصوير مستقل تماما، (...) تقليد للتصوير الفوتوغرافي مثل ستيغليتس أو وثائقيّ مثل ووكر إيفانس. لم تتطور في البلاد أي رابطة مع التصوير المحليّ، رابطة بين الإنسان والمكان.6 على نفس المنوال، ادّعى يعقوب شوفار، الذي درس في القسم، أنّه "لا يوجد تصوير بدون معالجة اجتماعيّة".7 من أجل خلق هذه الرابطة، كما تجسّد الأمر عند الأسياد الأمريكيين، بدأ القسم بدروس تصوير مع جماعة الشارع في حي القطمون في القدس. أصبح المشروع مرتبطًا بشوفار، الذي شرع أيضًا في تدريس التصوير المدمج-الاجتماعيّ في بتسلئيل، وحتى قام بتمرير ورشة حول الفنّ في السياق المحليّ.
على الرغم من كلام شوفار، شيم توف وكوهن حول رغبتهم في خلق رابطة الإنسان والمكان، يتّضح من الكتاب أنّ لا أحد من المحاضرين في القسم درّس أعمال مصوّرين محليين من الماضي ولا مصوّرين معاصرين، باستثناء سيمحا شيرمان، الذي اعتاد على تنظيم أيام دراسية سنويّة بهدف "فهم التصوير كأداة تعمل داخل فضاء أكبر".8 في هذه الأيام الدراسيّة، التي رافق قسم منها معارض، دعا شيرمان أيضا "مصورين اسرائيليين للحديث حول أعمالهم".9
تشدّد تصدقا على إحدى جمل ييجال شيم-توف، الذي يبحث عن الرابطة بين المصوّر والمكان ويسعى إلى خلق تصوير محليّ، لكنه في نفس الآن يقول عن نفسه إنّ "تاريخه التصويريّ هو تاريخ التصوير الأمريكيّ".10 من ضمن الأشخاص المختلفين الّذي أجريت معهم المقابلات في الكتاب، وحده نيسان بيريز، الذي كان المؤسس والقيّم على قسم التصوير المحلّي لأنه قبل كان تصوير-تصوير من نوع آخر في البلاد قبل سنوات الثمانينات. بيريز لا يستفيض في الحديث، لكن تصدقا تذكر كرّاسة سعى بيريز إلى إخراجها كأداة مساعدة في تدريس تاريخ التصوير، لكنّه لم يستخدمها في الدورة في نهاية المطاف (لا يذكر الكتاب سبب حفظ الكراسة). شملت هذه الكرّاسة معلومات حول مصوّرين مسيحيين وصلوا إلى فلسطين منذ أربعينات القرن التاسع عشر، ومصوّرين يهود هاجروا إلى هنا في نهايته، إلى جانب بعض المعلومات عن التّصوير بعد قيام دولة إسرائيل.11 كذلك إيال أون، الذي درّس في القسم بين الأعوام 1980-1983، بحث وجمع ونشر كتبًا حول رسّامين مسيحيين قاموا بالتقاط صور لفلسطين. بين الأعوام 1984-1982 كان قيمًا على "صالة عرض فنّ التصوير" في تل أبيب، لكن ضمن إطار التدريس في بتسلئيل لم يدرّس التصوير المحلّي.12
في الواقع، منذ اختراع التصوير الفوتوغرافي في عام 1839، كان هناك تصوير هائل في المنطقة. يروي غاي راز في كتابه "مصورو البلاد" (وهو كتاب أشبه بموسوعة من تحريره، يوفّر معلومات قليلة عن المصورين والمصورات الذين نشطوا في البلاد بين الأعوام 2000 - 1855)، بأن العديد من المصورين الأوروبيين قدموا إلى هنا، إما بصفتهم حجاجًا، أو كجزء من بعثات علمية وبحثية أو كسائحين. لقد صوروا المكان كتمثيل للأماكن المقدسة والمنظر الطبيعيّ كفضاء مقفر. عدا عنهم، كان هناك مصوّرون بريطانيّون استقروا هنا، كان هناك مصورو المستعمرة الأمريكية في القدس (American Colony) الّذين وثّقوا العديد من الأحداث والأماكن، وكان هناك أيضًا فيليكس بونفيس وعائلته الذين افتتحوا محل بونفيلز للتصوير في بيروت. مكثوا هناك من عام 1894 إلى عام 1867 وصوّروا مناظر الأساطير المسيحية13 بالإضافة إلى هؤلاء جميعا، وفقًا لباحث التصوير عصام نصار، فقد أظهر الإحصاء السكاني للإمبراطورية العثمانية أنه كان هناك مصورون محليون في فلسطين التاريخية منذ عام 1877.14 في كتابه "الاستشراق السابق لإسرائيل: بورتريه مصوّر" يذكر دور غاز أيضا أنّ البطريرك الأرمني أشعيا غرابيديان (Garabedian) افتتح استوديو للتصوير في عام 1859 في دير سانت جيمس، والذي كان بمثابة أول ورشة تصوير احترافية في القدس.15
"التصوير المحلي" هو مصطلح قابل للجدل. يدعي نصار أن التصوير المحلي هو صورة توثق سكان المكان والبيئة المحلية، مع الانخراط. بحسب فهمه، فإن المصورين الأوروبيين الذين قدموا إلى فلسطين على مدار القرن التاسع عشر وصوروا "الأرض المقدسة" ليسوا مصورين محليين، وكذلك هو حال المصورين الصهاينة الذين عملوا بطريقة منظمة لوصف تأسيس الييشوف الصهيوني، لأن هذه الصّور، وفق ادعائه، لم توثق الحياة الاجتماعية في فلسطين ولم ينخرط المصورون في المجتمع بطريقة تنتج تقاربًا.16
لكنّ نصار يذكر عددًا لا بأس به من المصورين المحليين الذين نشطوا في فلسطين في أوائل القرن العشرين ويستوفون تعريفات التصوير المحلّي، وفق تصوّره. يذكر نصار غارابد كريكوريان (Krikorian) وخليل رعد (Raad) في القدس،17 وعيسى صوابيني (Sawabini) وداوود صابنجي (Sabonji) في يافا، وفاضل سابا (Sabba) في الناصرة. وفق ادعائه، فإنه بالإضافة إلى انخراطهم في الحياة الاجتماعيّة، فقد أنتجوا صورًا لها هيئة وسمات مغايرة عن تلك التي اتسم بها الأوروربيون، ولها خصوصيّة المكان. بينما مالت صور الأوروبيين الذين قدموا إلى فلسطين إلى تجاهل وتغييب فردانيّة الأشخاص الّذين تمّ تصويرهم والذين وصفوا كأصناف بشر من الأرض المقدّسة، في التصوير الفلسطينيّ المبكر، كان الموضوع دائما الإنسان المصوّر، الذي كان يؤثر إلى حد كبير على سؤال كيف ستبدو صورته.18 يبدو الأمر جليا في أعمال كريمة عبود (Abbud) التي تُعتبر أول امرأة مصورة محلية.19 عبود هي واحدة من بين مصوّرين فلسطينيين تذكرهما تصدقا في كتابها (إلى جانب رعد)، وقد كوّنت لنفسها ما يشبه تمثيلا صوريًا، وفق نصارالذي أهمل طريقة الوصف الأوروبي، الذي يمنح "هالة" للشخص المصوَّر. عوض ذلك خلقت عبود صورا تصف المصوّرين ببساطة وعفوية وفي حياتهم العادية اليومية قبل قيام دولة إسرائيل.20 اعتادت عبود كذلك على التجوال في المكان وقامت بالتقاط صور للمناظر الطبيعية- "مشهد نادر في تلك الفترة"21 كذلك حنا صافية (Safieh) كان خارجا عن القاعدة في كونه بخلاف المصورين الفلسطينيين الذين عملوا في تلك الفترة في مجال تصوير البورتريه وفي حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية، فقد صوّر ما يمكن تسميته بتصوير المناظر الطبيعي والتصوير الإثنوغرافي.
يدعي نصار أنه يمكن اطلاق لقب فنان عليه لأنه قام بالتصوير من أجل التوثيق، كمقولة شخصية حول المكان الذي يعيش فيه، فهو يوثّق مشاهد قاسية مثل تدمير حي مصرارة في عام 1948. هذا إلى جانب وبالتوازي مع صوره وعمله مع مؤسسات وهيئات حكومية مختلفة.22
بالإضافة إلى هؤلاء، في أوائل القرن العشرين، تعاطى التصوير في فلسطين مهاجرون يهود صوّروا لصالح مؤسسات تعنى بالدعاية الصهيونيّة، وقد خلقوا معا صورة حول اليهودي الجديد، المقاتل، الذي يعود إلى الأرض غير المأهولة. كان منهم يشعياهو رفالوفيتش، يعقوب بن دوف، شموئيل يوسف شفايغ، شلومو نارينسكي، أبراهام سوسكين وآخرون عديدون. قسم منهم مذكور في كتاب تصدقا، لكن ليسوا كمن تعاطوا التصوير كفنّ، من أجل خلق لغة ذاتيّة، وليسوا كمن أظهروا صلة بين الإنسان والمكان عبر التصوير. على الرغم من أن هؤلاء المصورين لا يندرجون في فئة التصوير المحلي" حتّى وفقنصار، لكن، وفق فهمي، الكثير منهم وثقوا المكان الذي عاشوا فيه وانخرطوا فيه وفق الإيديولوجية التي تبنوها بشكل خاص أيضا ، بغض النظر عن عملهم كمصورين في الحملة الدعائية الصهيونية. على سبيل المثال، يتم وصف بعض هؤلاء المصورين ، وسوسكين كممثلين بارز لهم، من قبل دور غاز في كتابه كشركاء لنوع من التصوير تخصّ المكان والفترة، والتي أطلق عليها غاز اسم "التصوير الاستشراقي على الطراز ما قبل- الإسرائيلي".23 لقد خلقوا صورًا تقدّم اليهوديّ الجديد، ولذا استخدموا الأقنعة والاكسسوارات، أحيانًا بشكل مهمل ولا يحكمه منطق، بطريقة تذكرنا بفن الأداء، كما أوضحت في نص آخر.24 يذكر غاز أيضا تصادوق بسان (المذكور في كتاب تصدقا)، والذي إلى جانب عمله لصالح مؤسسات صهيونيّة قام في تلك السنوات أيضا بتصوير الييشوف اليهوديّ القديم. يدّعي غاز أنّه معروف بشكل أقلّ لأنّ صور المدارس اليهودية الدينيّة (اليشيفاه) والحاخامات نقلت صدى الصورة المنفويّة التي حاولت المؤسسة إخفاءها من خلال خلق صورة المحارب اليهوديّ.25
بالإضافة إلى تجاهل التصوير الفلسطيني المبكر والتصوير اليهودي- الصهيوني في الفترة التي سبقت وجود إسرائيل، لا يذكر المحاضرون في قسم التصوير التأثيرات الألمانية في سنوات العشرينات التي وصلت إلى إسرائيل في الثلاثينات والأربعينات من القرن المنصرم بفضل المصورين في وسائل الإعلام والدعاية، والذين قاموا معا، وإلى جانب عملهم، بخلق لغات شخصية في التصوير، شملت أحيانا التصوير المباشر وأحيانا لم تشمله. تذكر رونا سيلع، التي بحثت موضوع التصوير في إسرائيل خلال هذه السنوات، العديدين من بينهم أرئيل (ريكارد ليفي) ، الذي اشتهر في أواخر فترة المراهقة عندما أنشأ مونتاجات تدمج بين التصوير والطباعة مستوحاة من "التصوير الجديد" في ألمانيا؛ ألفريد بيرنهايم (المذكور في كتاب تصدقا) ، الذي قام ، تحت تأثير "الموضوعية الجديدة" ، بالتقاط صور عن قرب تحافظ على الأشكال الأساسية للكائن المصور معزولا عن البيئة؛ ألفونس هميلريش والذي بالإضافة إلى عمله التجاري، صور أيضا بشكل مستقل تحت تأثير باوهاوس، "بشكل أساسي الزهور والصبار ذات الصفات الخاصة ، وهي صور ينفصل فيها النبات عن بيئته الطبيعية"؛ إسحاق كلتر، الذي أنشأ العديد من المسلسلات النموذجية التي حازت على تقدير أشخاص في مجال الهندسة المعمارية في عصره، ولكن ليس في مجال الفن التشكيلي، على الرغم من أنه في عمله "قاعدة لمفهوم حديث مبتكر في التصوير "26 وشالوم سابا، الذي جرب التصوير تحت تأثير الاتجاهات الجديدة في التصوير في ألمانيا، وفي البلاد تعامل مع قضايا التشويه المنظوريّ لإعطاء تفسير جديد للزمان والمكان، بحسب سيلع. لديه أيضا عمل تصويريّ غير معهود، نسبيا، للأحداث في تل أبيب.27
بالإضافة إلى ذلك، تتحدث سيلع عن عدد من المصورات اللواتي عملن في مجالات الدعاية والإعلام، لكنهن استخدمن أعمالهن في التصوير كأداة تعبير شخصية وبالتالي استنفذن اللغة التصويرية؛ باتينا أوبنهايمر، على سبيل المثال، صوّرت طبيعة صامتة سعت من خلالها إلى إيجاد طرق جديدة غير تقليدية لتمثيل غرض بروح "التصوير الجديد"؛28 وفقا للتصوير النموذجي للأختين غاردا وشرلوت ماير، الذي شكّل نوعا ابتكاريا من التصوير في البلاد، تضمّن تركيزا على جوانب لا إطراء أو جماليّة في المنظر. وفق سيلع، ذهبوا في عملهم إلى المناطق الصناعية ومواقع البناء ، في ظروف قاسية ، والتقطوا صوراً لزوايا تؤكد على الحداثة. لقد قاموا بإنتاج صور نظيفة و "باردة" ونافذة، تذكرنا بالتصوير التسلسلي الذي طورته هيلا وبراند بيشر Becher لاحقًا ، تقول سيلع.29 عن هيلين أورجال التي عملت في التصوير مدّة عقد من الزمن فقط، كتبت سيلع تقول إنّها "اختارت تصوير "الآخرين" الاجتماعيين، المزراحيم (اليهود الشرقيين) والفلسطينيين على سبيل المثال، الذين تم استبعادهم من مجموعة الصور الصهيونية".30 في العديد من صور حنا دجاني ثمّة تأمل شخصي خاصّ "ورغبة في دراسة المنظر بشكل غير تقليدي وانطلاقًا من تجريب المادّة". منذ أواخر ثلاثينيات القرن العشرين أخذت تركّز على تصوير المناظر الطبيعية في المناطق الحضرية مع عنصر التقويض.31
من المثير للاهتمام التفكير في وصف المنظر الطبيعي والحيّز بطرق لا تنطوي على الإطراء كتعبير كانَ شائعًا وربما اخترق أعمال بيتر ميروم، الذي وثّق تجفيف بحيرة الحولة، وهو مذكور في كتاب تصدقا عدة مرات. خلال الفترة التي كان ميروم نشطًا فيها، في العقدين الأولين بعد قيام دولة إسرائيل، انخفض عدد المصورين، لأن أهداف الدعاية قد تحققت. أدخِل في الصورة اتجاهات رومانسية وناعمة، لكن ميروم استمر في توثيق تدمير الطبيعة وكان يعتبر لسنوات عديدة مصوراً وثائقياً بارزاً. بالإضافة إلى ذلك، نشر 30 كتابًا في التصوير، بما في ذلك ثمانية كتب سنوية، أكثر من أي مصور إسرائيلي جاء قبله أو بعده32 في كتب التصوير السنوية، قدم العديد من المصورين، سواء من الهواة أو المحترفين. في مقدمة الكتاب الأول الصادر عام 1964، كتب أنه يأمل في أن يساعد الكتاب في تأسيس "مستوى فني في التصوير الفوتوغرافي كما هو الحال بالنسبة لفن الرسم والنحت وبقية الفنون" وكذلك "إظهار العديد من الجوانب المتعددة في التصوير، مع الحفاظ على المستوى العام".33
يبدو أن ادعاء بعض محاضري قسم التصوير، ومن ضمنهم شيم توف وشوفار وكوهين، كما جاء في الكتاب – أنّه لم يسبق أن كان هناك تصوير محلي في البلاد ذو تعبير شخصي، أو ذو مقولة تتعلق بالمكان – أمر لا أساس له من الصحة. إنها ببساطة تأخذ بعين الاعتبار نوعًا واحدًا فقط من أشكال التعبير الفوتوغرافي الشخصي - وهو ما كان شائعًا في اللغة الحداثيّة والغربية، وخاصة الأمريكية والفرنسية. يطلّ الانتقاد أيضا من خلال تعليقات المؤلفة وردودها وطرحها الأسئلة المتكررة. ومع ذلك، نظرًا لكَون تصدقا لا تقدم ادعاءً مضادا قاطعًا ، فإنها تترك الأمر مفتوحًا إلى حد كبير، كما هو الحال مع القضايا الأخرى التي تثيرها ، مثل الفشل في توظيف محاضرات في مجال التصوير ، والذي تقول بشأنه إنها "مشكلة مؤلمة وذات صلة لم يتم حلها حتى الآن"34 أو حول العلاقة بين متحف إسرائيل وبتسلئيل على مر السنين وبين المتحف وقسم التصوير في السبعينات والثمانينات.35
لم ينشئ المصورون والمصورات الأوائل الذين عملوا في المنطقة صورًا بروح قسم التصوير في بتسلئيل. عمل معظمهم في الأطر التجارية وكان عملهم ضئيلًا ولوقت قصير جدًا. ومع ذلك، فإن اختيار تجنب دراسة اندماجهم في تاريخ التصوير في إسرائيل يبدو غريباً. ففي تاريخ التصوير الغربي، كان هناك العديد من مصوري القرن التاسع عشر الذين عملوا لفترة قصيرة جدًا، كان عملهم مقطوعًا وغير عضويّ، أو أنهم تناولوا أعمالا حسب الطّل. دخل هؤلاء تاريخ التصوير، وغالبا بعد فترة طويلة من توقفهم عن العمل.
ربما لم يكن المحاضرون في قسم التصوير في بتسلئيل، الذين أنهوا دراساتهم العليا في مجال التصوير في الولايات المتحدة، قد عرفوا المصورين المحليين قبلهم، لأن الأبحاث حولهم قد أجريت فقط في العقدين الماضيين، ومع ذلك، من المفترض أنّهم عرفوا على الأقل هلمر ليرسكي، من كبار المصورين الألمان في ذلك الوقت والذي اشتهر أيضًا ببناء صوره في الضوء والظل، وهاجر إلى إسرائيل في سن مبكرة وأسس استوديوًا، أو سوسكين، الذي أطلقوا عليه لقب "مصور تل أبيب". وحتى لو لم يعرفوا المصورين الأوائل، فقد يسأل المرء - لماذا لم يعلموا التصوير المحلي من عصرهم؟ ولم تكن من حولهم أمثلة قليلة.
- 1. انظروا، نوعا تصدقا، حقيقة التّصوير الفوتوغرافي هي حقيقة طبيعيّة- سجلّ قسم التّصوير، منشورات رسلينغ، تل أبيب، 2018. (נועה צדקה, האמת הפוטוגרפית אמת טבעית היא – כרוניקה של המחלקה לצילום, רסלינג, תל אביב, 2018, עמ' 85).
- 2. انظروا، هناك، ص 139.
- 3. انظروا، هناك، ص 185-186.
- 4. هناك، ص 205.
- 5. هناك.
- 6. هناك، ص 230.
- 7. هناك، ص 240.
- 8. هناك، ص 258.
- 9. هناك.
- 10. هناك، ص 228
- 11. انظروا، هناك، ص 272-273.
- 12. انظروا، هناك، ص 263.
- 13. انظروا، غاي راز، مصوّرو البلاد: منذ البدايات وحتى اليوم، هميبوتس هميؤوحاد، تل أبيب، 2003. (גיא רז, צלמי הארץ: מראשית ימי הארץ ועד היום, מפה - מיפוי והוצאה לאור, והקיבוץ המאוחד, תל אביב, 2003).
- 14. See, Issam Nassar، Familial Snapshots: Representing Palestine in the Work of the First Local Photographers، (pp. 139-155)، History & Memory، Volume 18، Number 2، Fall/Winter 2006، p. 143.
- 15. دور غاز، الاستشراق السابق لإسرائيل: بورتريه مصوّر، رسلينغ، حولون، 2015، ص 45 ( דור גז, אוריינטליזם טרום-ישראלי: דיוקן מצולם, רסלינג, חולון, 2015, עמ' 54).
- 16. See, Nassar، supra note 14، p. 144.
- 17. كانت رونا سيلع قيّمة على معرض صور خليل رعد في متحف ناحوم غوتمان للفن (حزيران-أيلول 2010). انظروا: رونا سيلع، خليل رعد صور 1891-1948، منشورات هلينه ومتحف غوتمان للفنون، تل أبيب، 2010. (רונה סלע, חליל רא'אד תצלומים 1891-1948, הוצאת הלנה ומוזיאון נחום גוטמן לאמנות, תל-אביב, 2010).
- 18. See, Nassar، supra note 14، pp. 146-148.
- 19. See, Ahmad Mrowat، Karimeh Abbud Early Woman Photographer 1896-1955، (pp.72-78)، Jerusalem Quarterly 31، p.75.
- 20. See, Issam Nassar، Early Local Photography in Palestine: The Legacy of Karimeh Abbud، (pp.23-31)، Jerusalem Quarterly 46. p.30.
- 21. رونا سيلع، "مصورات في الفضاء الخاصّ/مصوّرات في الفضاء العام"، (ص 99-138)، من: نساء مبدعات في غسرائيل 1920-1970، تحرير: روت ماركوس، منشورات هكيبوتس هميؤوحاد سلسلة مغداريم، تل أبيب، 2008، ص 112. (רונה סלע, "צלמות במרחב הפרטי / צלמות במרחב הציבורי", (עמ' 99-138), מתוך: נשים יוצרות בישראל 1920-1970, עורכת: רות מרקוס، הוצאת הקיבוץ המאוחד סדרת מגדרים, תל-אביב, 2008, עמ' 112).
- 22. See, Issam Nassar، A Jerusalem Photographer: The Life and work of Hanna Safieh، Jerusalem Quarterly File، pp. 24-28.
- 23. انظروا، غاز، ملاحظة هامشية 13، ص 84-95.
- 24. انظروا، حجاي أولريخ، إخفاء مكشوف، توهو، شباط 13، 2018. (חגי אולריך, הסוואה גלויה, תוהו, פברואר 13, 2018).
- 25. انظروا، غاز، ملاحظة هامشية 13، ص 109-110.
- 26. רונה סלע, צילום בפלסטין/ארץ-ישראל בשנות השלושים והארבעים, מוזיאון הרצליה לאמנות, הוצאת הקיבוץ המאוחד, 2000, עמ' 227. رونا سيلع، التصوير في فلسطين –أرض إسرائيل في سنوات الثلاثينات والأربعينات، متحف هرتسليا للفنون، منشورات هكيبوتس هميؤوحاد، 2000، ص 227. صدر الكتاب في أعقاب معرض "التصوير في فلسطين/ أرض إسرائيل في سنوات الثلاثينات والأربعينات"، متحف هرتلسيا للفن، أيار-آب 2000. القيّمة على المعرض: رونا سيلع.
- 27. هناك، ص 231.
- 28. انظروا، رونا سيلع، في أعقاب مصورات مجهولات: حول المصورات في فترى التصوير الصهيوني- من ثلاثينات وحتى ستينات القرن الماضي)، ستوديو 113، 2000، ص 40-41 (רונה סלע, בעקבות צלמות עלומות: על צלמות מתקופת הצילום הציוני – משנות ה-30 עד סוף שנות ה-60, (ص 34-44), סטודיו 113, 2000, עמ' 40-41).
- 29. انظروا، سيلع، ملاحظة هامشية 21، ص 118.
- 30. هناك، ص 123.
- 31. انظروا، سيلع، ملاحظة هامشية 26، ص 38.
- 32. انظروا، تصدقا، ملاحظة هامشية 1، ص 291.
- 33. بيتر ماروم (محرر)، الكتاب الإسرائيلي السنويّ لفنّ التصوير 1، منشورات أجام، 1964 (פטר מירום, שנתון ישראל לאמנות הצילום 1, הוצאת אגם, תל-אביב, 1964).
- 34. تصدقا، ملاحظة هامشية 1، עמ' 283.
- 35. انظروا، هناك، ص26.