لا يبدو أنك قلقة، لكن يحبّذ أن تكوني كذلك

تصف الفنانة تِيا توباييتش السنتين اللتين عملت فيهما على تحضير عمل عرض جديد في تل أبيب، شارك فيه أيضًا عملاء موساد وشاباك. هذه قصة "أكشين" تشمل ملاحقات، تحقيقات، لقاءات سرية ومحادثات سرية. مقال جديد في مجلة توهو: نوصي بقراءته بنفَس واحد!

Advertisement

ما الذي سيكسبونه?
كائن فضائي
اللسان أحدّ من السكين
أنت وأنا، متشابهان
الموقع 
هل تعلمت أي شيء مرة من فيلم جاسوسية؟
8 تشرين الأول، 2015، يوم العرض

 

السنة هي 2013. أدخل في أحد أيام تموز القائظة الى الباحة المكيّفة في مطار بن غوريون. أنا قادمة من القدس، حيث عرضت هناك عددًا من مجلة "فراكتسيا"  (Frakcija), الذي قمت بتحريره، وهو يتناول مناعة الفن. وهي فكرة ابتدعتها انطلاقًا من اليأس من حال الفن والامكانيات الماثلة أمامه في المجتمع الغربي. يبدو لي أن كل ما يجري في مجال الفن هو فن فقط. حرية التعبير المعطاة للفن جعل منه حلبة تم فيها إقصاء وشلّ جميع النشاطات النقدية. “مناعة الفن"، مثلما أسميت الظاهرة، تستغل هذا الضعف لغرض بحث المنطقة الرمادية بين الفن وبين القانون/الجريمة. وقد سألت: أية نشاطات يسمح بالقيام بها فقط لأنه يتم تعريفها كفن؟

 

Tupajic The Disco press 3.jpg

 رجل أمن، حارس "ديسكو"، عرض لـ تِيا توباييتش تصوير: كاريا يوريتش
رجل أمن، حارس "ديسكو"، عرض لـ تِيا توباييتش
تصوير: كاريا يوريتش

 

أقف في الدور للفحص الأمني. ألاحظ على مسافة ما شابًا وشابة يسيران نحوي. يقتربان مني ويخرجانني من الدور طالبين مرافقتهما. بعد الأسئلة الأولية – ما هو إسمي، الى أين أسافر – يسألان: “ما الهدف من سفرتك؟". دون اكتراث أكرر ما اعتدت قوله في كل تفتيش عند دخول الولايات المتحدة، دون انتباه لمستوى الفحص الأمني: “أنا ممثلة عرض، فنانة". والنتيجة تحقيق لمدة ساعتين قام بها ما لا يقل عن خمسة محققين برتب مختلفة على التوالي. نتحدث عن المواقع التي كنت فيها في إسرائيل، عن دين عائلتي، وبالأساس عن مناعة الفن، وهو موضوع سوف يُطرح حين بحثوا عن اسمي في غوغل. أتحدث عن الموضوع مع رجل بشوش في الخمسينيات، يضيّفني عصير ليمون.

نتناول السؤال عما إذا كانت الايماءة السوريالية لأندريه بريتون (Breton), أي إطلاق النار داخل حشد من الناس، قد يتم تبنيها من قبل إرهابيين. وهم يصابون بالذعر حين نتحدث عن فعل تخريبي مموّه كعمل فني. نتفق على أنه لا يمكن النظر الى احداث 11 أيلول على أنها فن، على الرغم من قوتها البصرية المدهشة. نتحدث عن جوليان أسانج (Assange) وعن تصريحه حول الصين، حيث يدعي أن المجتمعات الوحيدة التي لها أمل هي تلك التي تفرض رقابة على الفن والاعلام، لأنها تخشى التغيير – ما يعني أنه لا تزال هناك إمكانية للتغيير. الغرب لا يخشى شيئًا، لأنه لا يمكن لشيء أن يتغير. يعثر المحقق على مقال حول عملي، القيّمون (دعوى ضد الفن), The Curators' Piece, (A trial against art), 2012 وفيه أدعو قيّمي معارض من مختلف أنحاء العالم الى محاكمة وهمية ضد الفن. أوجه للفن تهمة عدم إنقاذه العالم، تفويت كل فرصة للتأثير على الواقع في كل المستويات. المحقق كبير السن، والذي بدأت أرى أنه رجل مهمات سرية، يقول إنه من الغريب انتظار الخلاص من الفن، خصوصًا بالنسبة الى ملحدة.

وبكونهم لا يعثرون على شيء، ولأن طائرتي على وشك الاقلاع، يجرون لي تفتيشًا جسديًا ثم يطلقون سراحي.

خلال السفر الى ميونيخ، أواصل التفكير بما مر عليّ في المطار. أستوضح في نفسي مسألتين أثارتا انفعالي خلالها: الأولى تنويعة الأساليب والمهارات الاستعراضية التي مارسها المحققون في التحقيق. والثانية هي حقيقة أنه بعد مرور بعض الوقت شعرت ان التحقيق حقيقي، وكأنما هناك معنى لكوني فنانة. وأروح أتخيل عرضًا يتناول الأساليب الفنية التي يمارسها عميل المخابرات خلال قيامه بوظيفته. سيكون هذا عرضًا/إنشاءً متواصلا مع خمسة عملاء شاباك أو موساد، حيث يمكث كل منهم في غرفة منفصلة، وكل منهم يعرض مهارة مختلفة. جميع الأحداث تشمل الجمهور كمشارك فعّال.

هناك شيء مهم يمنعني من القيام بالمشروع. أصلي من ساراييفو – وهي الأكثر جاذبية بين جميع المدن المأساوية. لطالما تعاطيت بتشكيك مع فنانين أجانب جاءوا اليها، فيما يملؤهم الإلهام لسرد قصتنا. هذه هي القصة نفسها التي تلقي بظلالها على طفولتي، التي تصفع جدتي بنوبات الذعر التي تصيبها، والتي تحلّ في كوابيس والدي. كان الأمر أشبه بسرقة. بأي حق أهبط الآن في أرض ليست لي وأسرق قصصًا تنتمي الى سياق آخر؟ بعد عدة أيام، حين أقرر القيام بالمشروع، أحدد لنفسي قاعدتين: عدم استغلال معاناة الآخرين، وعدم إنتاج فن حيادي (يا ليتني كنت في فيلم غودار واستطعت قول جملته: “الفن مثل النار. يولد ممّا يحرقه").

في أيلول 2013 أنتقل للسكن في تل أبيب.

مرّت سنتان الى أن نجحت في العثور على خمسة عملاء أبدوا استعدادهم للمشاركة في العرض. لن أفصل المصاعب المفهومة ضمنًا التي تخللت ذلك. هذا ثمن يجب دفعه مقابل الشيء الحقيقي. أتقدم بالشكر العميق لليئا أبير، عومر كريغر، يعيل كوهين، أيال فكسلر، يئير فاردي، باز بن نون وكل الذين اختاروا الإبقاء على أسماء مجهولة، على الشجاعة والدعم الدافئ للمشروع.

شروط مشاركتهم متساوية: لا شيء موثّق، لا السيرورة ولا العرض. أنا أعمل مع كل مشارك على انفراد، بشكل شخصي، والمشاركون لا يلتقي أحدهم الآخر حتى يوم العرض.

هم يختارون نقاط اللقاء. وأنا أطلب منهم اختيار مواقع مشابهة قدر الممكن لأماكن عملهم العادية.

 

 

3.Yaffo1_.jpg

تِيا توباييتش. يافا، صيف وخريف 2015، مع ع‘ تصوير: شاي-لي عوزيئيل
تِيا توباييتش. يافا، صيف وخريف 2015، مع ع‘
تصوير: شاي-لي عوزيئيل

 

تموز2015. أجلس مع ع‘ في يافا، قرب البحر. نتكلم عما حدث لي في مطار بن غوريون. وهو يصف ملاحقة الإرهابيين كلعبة شطرنج مستمرة مقابل العدو. يجب التفكير خارج الصندوق، مثلهم. لا تعرف ما هو مظهر الارهابيين القادمين. من كان بوسعه أن يتوقع عام 1972 أن "سياحًا" يابانيين سوف يشهرون أسلحة من حقائب الكمان في مطار بن غوريون؟

يقول ع‘، "الأمر نفسه معك أيضًا. مظهرك أوروبية لكنك لا تتصرفين وفقًا لذلك. أنت ما زلت شابة، لكنك ذكية. لا يبدو أنك قلقة، لكن يحبّذ أن تكوني كذلك. كأن شيئا فيكِ لا يروق لنا. أنت غريبة بعض الشيء، ولا تندمجين في أي قالب".

 

12.Metsada.JPG

تِيا توباييتش. مقهى مصادا، ربيع 2014-صيف 2015 مع د‘، دائمًا في الصباح الباكر. تصوير: شاي-لي عوزيئيل
تِيا توباييتش. مقهى مصادا، ربيع 2014-صيف 2015 مع د‘، دائمًا في الصباح الباكر.
تصوير: شاي-لي عوزيئيل

 

ما الذي سيكسبونه? 

طرح عليّ هذا السؤال مرارًا. وحيث أنه لم يكن لديّ جواب، توجهت الى المشاركين. كان جوابهم واضحًا. المشاركة في العمل من ناحيتهم هي أشبه بالمشاركة في استعراض عسكري. مقابل استعراضات عسكرية يظهر فيها عادة جنود وأسلحة فقط، أعطيَت هنا فرصة لعناصر مخابرات لعرض مهاراتهم. وهم يقولون انه لو كنت يهودية لكانت الدولة ستستأجر خدماتي للقيام بذلك سنويًا.

د‘ يضيف قائلا: “ليس لدينا ما نخسره. لأن هذا فن فقط، خلال العرض سيعتقد الجميع أصلا أننا ممثلون. لن يصدق أحد بأننا الشيء الحقيقي".

قبل الإفتتاح بخمسة أيام في تل أبيب حاورني صحفي من "هآرتس". استغرقت المقابلة ساعتين وبدا الصحفي مسحورًا بالمشروع. ولكن في اليوم الذي كان يفترض نشر المقابلة فيه يتصل الصحفي بيئير فاردي، قيّم مهرجان تموناع، ليبلغه بأن الصحيفة قررت عدم النشر، لأنها لا يمكن أن تكون المقابلة حقيقية. لا يعقل أن هؤلاء عملاء حقيقيون – إنهم بالتأكيد ممثلون. وهو يسأل القيمين كيف يمكنهم الوثوق بأنني لا أكذب عليهم. المقالة لم تنشر أبدًا.

 

كائن فضائي 

شعرت في اللقاء الأول مع كل واحد من المشاركين نفس الخليط من الحرَج، الفضول والتشكيك، مثلما في حالة التحقيق بالمطار. ربما أن ع‘ أصاب – ربما أنني فعلا ما يشبه الكائن الفضائي. أعتقد أنه لم يكن بمقدور فنان اسرائيلي تنفيذ مشروع كهذا. كان يجب أن تأتي من الخارج مَن هي كالصفحة البيضاء، بدون موقف او شأن محدد، من لا تتلاءم مع أيّ قالب، من يمكن للمشتركين ان يسقِطوا عليها أي موقف يريدونه.

 

اللسان أحدّ من السكين 

يجري لقائي الأول مع ز‘ في مكتبه في القدس. شخص عمره نحو 60 عامًا، يستقبلني بجملة ترحيب غير اعتيادية: “هل تعرفين ما الذي أحبه حقًا لدى اليوغوسلافيين؟ أن نشيدهم الوطني هو الوحيد في العالم الذي يذكر الخائن".

وأرد عليه: “ملعون كل خائن لوطنه". يضحك قائلا: “نعم!”.

خلال عام 2014 أسافر الى القدس مرارًا لكي ألتقي به. لا نتحدث بالمرة عن الشاباك. وهو يلقي قصائد بالعربية. يقول إنه اذا وافق أصلا على المشاركة في العرض، فإن فقرته يجب أن تسمى "اللسان أحد من السكين". أكثر ما يحبه في مشروعي هو استخدامي شعار الموساد عنوانًا "بالخدَع قُم بالحرب".  التشديد يجب أن يكون فعلا على الخدع، وليس على السلاح، كأسلوب أكثر إنسانية "للقيام بالحرب". مثلا، الانطلاقة الكبرى في منهج عمل المخابرات جرت خلال الحرب الباردة، الحرب التي كان عدد المصابين فيها هو الأصغر بين كل الحروب. وكالات المخابرات إنسانية. وهو يتحدث عن الجهاز في سبعينيات القرن الماضي، حين اهتم الشاباك بدراسة قصص وتاريخ المدن والقرى الفلسطينية والعائلات التي عاشت فيها، من أجل التخابر ومن أجل متابعة السكان المحليين. بمرور الوقت نشأ مخزون هائل من التاريخ الشفوي والتراث الفلسطيني، الذي كتبه الشاباك. وهو يقول بتهكم إنه يجب ان تكون مكتبة للشاباك في كل قرية فلسطينية.

 

9.Mcdonalds.JPG

تيا توباييتش. مكدونالدز، صيف وخريف 2014، مع ج‘ تصوير: شاي-لي عوزيئيل
تيا توباييتش. العجمي، صيف 2015، مع ع‘
تصوير: شاي-لي عوزيئيل

 

10.McDonads1.JPG

تيا توباييتش. مكدونالدز، صيف وخريف 2014، مع ج‘ تصوير: شاي-لي عوزيئيل
تيا توباييتش. مكدونالدز، صيف وخريف 2014، مع ج‘
تصوير: شاي-لي عوزيئيل

 

لطالما تساءلت لماذا يثق الناس بهم بالرغم من ذلك. جميعهم "شبان طيبون ومؤدبون". يرتدون قمصانًا بيضاء مكوية بدقة. لا تفوح منهم روائح عطور بل أريج مطرّي الغسيل فقط. هذا يذكرني بما قاله ج‘ حول كيفية أن تكون عربيًا – لا تبعث بالمرة برائحة عطر، بل برائحة عرق ودخان فقط.

 

4.HaCarmel.jpg

تيا توباييش. سوق الكرمل، أيار 2014 – تموز 2015، مع ر‘، أيام الجمعة خصوصًا.   تصوير: شاي-لي عوزيئيل
تيا توباييش. سوق الكرمل، أيار 2014 – تموز 2015، مع ر‘، أيام الجمعة خصوصًا.
تصوير: شاي-لي عوزيئيل

 

أنت وأنا، متشابهان 

يقول ر‘: “كلانا ننتج شيئا غير موجود. كلانا ننتج واقعًا. الفرق هو أنك تسمحين لنفسك بالفشل، خلافا لي". نحن نأكل الموز في صباح يوم جمعة صاخب في سوق الكرمل، في خريف 2014.

أسجل بشكل سريع المجالات المختلفة للعلاقة بين الفن وعمل التجسس:

1. أن تكون فنانًا فهذه قصة تغطية ممتازة. في حالة حدثت حقًا، ويستند اليها فيلم "آرغو" لبن أفليك، استخدمت عميلة جهاز المخابرات المركزية (CIA) قصة تغطية غير معقولة لكي تمكن العملاء من التسلل الى ايران. لقد تظاهروا بأنهم فرقة إنتاج سينما تصور فيلم خيال علمي. ما الذي يمكن أن يكون أكثر لطافة وسلميًة من مخرج سينما؟ أو فنان؟

2. خلق أو مراجعة مشاهد وهويات عناصر مخابرات، مشابهة للسيرورة التي يمرها كاتب أو ممثل. أحيانا هناك حاجة في سنوات من المراجعات في بيئات مصطنعة تذكر بموقع تصوير سينمائي، حتى تكتمل عملية ليقوم بها فرد. حين يصف ر‘ لي كيف يخطط تحقيقاته، يبدو لي الأمر مثلما أخطط مسرحية مع أحد زملائي، بما في ذلك وصف المشهد والتعليمات للممثلين. معروف للجميع أن عميل الموساد تسفي ملحين تعلم التمثيل في ستوديو لي ستراسبورغ (Strassberg) في نيويورك1.

3. تأثيرات متقاطعة: لا يكفي أن تشكل عمليات المخابرات مصدر إلهام مدهش لأفلام وقصص – فالعكس صحيح أيضًا. مثلا، معروف أنه يوجد في الـ CIA قسم وظيفته متابعة أفلام وكتب التجسس، للاستلهام منها.

 

 

6.Ajami_.jpg

תאה טופאיץ'. עג'מי, קיץ 2015, עם ע' צילום: שי-לי עוזיאל
תאה טופאיץ'. עג'מי, קיץ 2015, עם ע'
צילום: שי-לי עוזיאל

 

الموقع 

يقول ع‘ إنه من غير المجدي القيام بمشروع حول جواسيس من دون "أكشين". وهو يريني في موقف سيارات في يافا كيف يمكن إدارة السيارة بـ 360 درجة. نتوقف في العجمي ونشتري اللحم من ملحمة هناك. يتحدث مع البائع بالعربية ويكذب بالقول إننا من الناصرة، لغرض الالتفاف على دور المنتظرين. حين نجلس في السيارة يقول: “هل تعرفين ما هي مشكلتك؟ أولا، تعتقدين بأنني غبي. ثانيًا، أنه لكونك فنانة فكل ما تقومين به، حتى الشراء معي في ملحمة، هو فن. هذا غباء. سيكون الأمر فنًا فقط اذا لاحقتيني وجعلت الآخرين يراقبونني، أنا الجاسوس الشرير الذي يخدع اللحام العربي المسكين. لا يمكنك أن تكوني في الفن عميلة مزدوجة. لن يفهم الناس هذا. انت تعتقدين أن اليساريين في العرض سوق يقدرون كم أنا جيد في تمثيل الشر؟ إفهمي إذًا، طالما لست ضدنا فأنت معنا. هل فهمت حبيبتي؟" 

خلال جزء من الثانية يثير السؤال جميع الشكوك الأخلاقية لديّ حول نفسي. فلغرض إقناع العملاء بالمشاركة في المشروع امتنعت عن التعبير عن مواقفي السياسية. طيلة شهور تظاهرت بالعديد من الطرق بأنني لم اعد متأكدة من أن الجمهور سيكون قادرا على تمييز الحقيقة، لو كان هناك شيء كهذا. أخفي كل شيء بالقول: “كل الوقت، تيب" وهو يقوي صوت موسيقى A Tribe Called Quest . ونغادر.

 

8.Azrieli.jpg

 تيا توباييتش. العجمي، صيف 2015، مع ع‘ تصوير: شاي-لي عوزيئيل
تيا توباييتش. العجمي، صيف 2015، مع ع‘
تصوير: شاي-لي عوزيئيل
 

 

هل تعلمت أي شيء مرة من فيلم جاسوسية؟ 

أقول لـ د‘ إنه من دون تسجيلهلن يصدق احد أن هذا حدث فعلا. وبكوننا لا نستطيع تسجيل محادثاتنا العادية أقترح عليه ان نتحدث عن الموضوع المحبب علينا – أفلام جاسوسية. نلتقي في "موقع اللقاء رقم 2” - مطعم-بار سوشي في مركز عزريئيلي في تل أبيب. يطلب مشروبًا خفيفًا وأنا احاول فهم كيفية تشغيل التسجيل في جهاز الآيفون. نطرح افتراضات عن قصة الفيلم القادم لجيسون بورن. أسأله ما إذا كان تعلم شيئًا مرة من فيلم جاسوسية. وهو يتحدث عن خدعة لطيفة تعلمها من فيلم The Untouchables : الشرطي الذي يؤدي دوره كيفن كوستنر، يقبض على عضو عصابة مهربي كحول ويقتله. يقبض على عضو آخر في العصابة ويحقق معه، في حين تكون جثة الأول في غرفة أخرى. يقرر الشرطي القيام بخدعة لجعل المجرم يتكلم. يخرج من الغرفة، يأخذ جثة المجرم الأول ويتظاهر أنه يتحدث معها، ثم يطلق النار عليها، في حين يكون المجرم الثاني يرى كل شيء من خلال زجاج الشباك.

ويضيف د‘ أنه اليوم، في مجتمع ديمقراطي، ممنوع القيام بأمور كهذه، ولكن هذا ما زال مثالا جيدا على الخداع، خلق ايمان. بعد أن يغادرني أبكي في مرحاض مركز عزريئيلي. لست واثقة بأنني قادرة على مواجهة هذا كله.

 

when it comes to movies.png

تيا توباييتش. هل تعلمت أي شيء مرة من فيلم جاسوسية؟ 2015، فيديو، 2:53 دقيقة
تيا توباييتش. هل تعلمت أي شيء مرة من فيلم جاسوسية؟ 2015، فيديو، 2:53 دقيقة

 

8 تشرين الأول، 2015، يوم العرض
يقول ع‘ إنه سيشارك في العرض فقط إذا كان الجمهور سيراه. سرقت فكرة مهمته من مسلسل "جاسوس" (Spy) إنتاج الـBBC. مثلما تم الاتفاق مسبقًا، تركت الجمهور ينتظر 20 دقيقة في ساحة "غبيرول" – مركز ثقافة وفن في تل أبيب. أقمنا بار صغيرا في الساحة، بطلب من ع‘، لخلق حالة اجتماعية يمكنه تنفيذ مهمته فيها. كانت المهمة مركبة من قسمين. أولا يجب عليه استغلال محيط البار لكي يسأل أكثر ما يمكن من الأشخاص: “أين أوقفت سيارتك؟" وتسجيل المعلومات بمساعدة هاتفه. مسموح له بأن يحصل على المعلومات بكل طريقة يراها ملائمة، طالما أنه لا يكرر التكتيك نفسه أكثر من مرة. القسم الثاني يتطلب منه مشاهدة كل العرض طيلة المساء من دون ان يشد الإنتباه، على الرغم من انه تم بث تسجيلاته في إحدى غرف المبنى الذي ضم سائر أقسام العرض.

تجتمع غالبية الجمهور في الغرفة التي تتواجد فيها و‘. يسمى الجزء الخاص بـ و‘ في العرض "الغريبة" (the stranger) وفيه تجري محادثات شخصية مع أشخاص في الجمهور. وظيفتها هي الوصول معهم الى درجة عالية من الحميمية. أنا و و‘ أنتجنا المشهد معًا. ويشمل كرسيين، لـ و‘ وللمشاهد، وبينهما طاولة خشبية صغيرة عليها أزهار، قنينة ماء وكؤوس. من الخلف هناك مصباح اضاءة كأنه قديم ويطلق ضوءًا أصفر ناعمًا. و‘ احضرت المصباح من بيتها. الجمهور مدعو للجلوس على الوسائد الموزعة على الأرض.

أتجول في المبنى وأسمع الناس وهم يتعطون معها بوصفها أخصائية نفسية. وبالفعل، بعد عدة ساعات، يبدأ المشهد يبدو مثل ورشة نيو إيدج للمساعدة الذاتية، يبحث المشاهدون فيها مع و‘ مواضيع حميمية جدًا. أستصعب فهم ما اذا كان المشاهدون يدركون التشويه الكامن في الخديعة التي خلقناها و‘ وأنا، أم أنهم متعطشون لمحادثة حميمية كهذه الى درجة أن ذلك غير مهم.

في الطابق الأول هناك حدث يشارك فيه المشاهدون بمشهد اعتقال شخص يشتبه بأنه إرهابي، في بيته ليلا، وذلك بتوجيه جنديين من وحدة دوفدوفان. يقسَّم المشاركون الى مجموعتين. الأولى تمثل جنود وحدة دوفدوفان، والثانية الارهابي وأسرته. خلال تنفيذ الاعتقال، بالرغم من ان الجنود متدربون على التحرك البطيء والهادئ، يحدث احيانا أن يصحو أطفال المشتبه به وينفجرون بالبكاء. يتلقى الجنود أمرا بالتوجه الى الأطفال والقول لهم بالعربية: “لا تخافوا، نحن من الجيش الاسرائيلي". ونتساءل في المراجعات كيف سيعلم "الممثلون" الجمهور البكاء كطفل عربي. م‘ و ن‘ يقولان انه من الغريب ان الشيء نفسه حين يُعرض في مسرح، يبدو أسوأ مما في الواقع. ويسألان هل اعتقد ان المشاهدين المشاركين في المسرحية سيرغبون بإدخال تعديلات على "السيناريو"، مثلا ان يقتل الطفل الجندي. أقول بأنني لا اعرف وأسأل ماذا سيفعلون لو حدث شيء كهذا. يقولا إنهما سيدعان هذا يحدث. في نهاية المطاف "هذا مسرح لا أكثر".

 

 

مكاشفة لائقة: ليئا أبير، محررة مشاركة لمجلة توهو، كانت قيّمة لعرض تيا توباييش في تل أبيب.

 

 

 

 

  • 1. قال لي لاحقًا: "في العديد من عمليات الموساد التي شاركت فيها تصرفت كما لو أنني على مسرح، واستخدمت الأزياء والمكياج. في عمليات اخرى شعرت كما لو أنني مخرج مسرحية. كنت أكتب الأوامر مثلما في