النظر إلى صورة التقطها فريدريك جوبيه فيسكييه (Goupil-Fesquet) في 7 نوفمبر 1938، أثناء رحلته إلى مصر برفقة الرسام المستشرق أوراس فيرنيه (Vernet)، يمكّن من رؤية بهو يقود إلى مبنى تحت حراسة رجلين اثنين. زاوية النظر التي تم التقاط الصورة منها مرتفعة بعض الشيء، ونتيجة لذلك تسيطر نظرة المشاهد على موضوع الصورة.
يبدو أن المبنى كان ملكًا لسلطة ما، حيث كان محاطًا بأسوار وكان هناك حارسان مسؤولان عنه، أحدهما مسلح. لو كنت أنظر إلى صورة في غير سياقها المرئي، لكان هذا فقط الحد الذي يمكنني الوصول إليه. يمكن للمرء أن يستمر في التكهنات بخصوص هويات أولئك الذين يظهرون في الصورة، لكنني تذكرت أنه يجب على المرء الحذر من خطر إخراج الصورة من السياق. بمعنى آخر، الصور لا تتحدث بنفسها.
هبة يوسف أمين (مواليد 1980 في القاهرة)، وهي فنانة معاصرة تعيش في برلين، صادفت هذه الصورة أثناء بحثها حول التمثيل الغربي لـ "الشرق"، وخصوصًا شمال إفريقيا. ظهرت الصورة في المجلد الأول من Excursions daguerriennes،1 وهو أول منشور مهم استخدم تقنية لويس جاكارد (Daguerre) في التصوير الفوتوغرافي. احتوى الألبوم على صور لـ"أكثر المناظر الطبيعية والمعالم الأثرية الجديرة بالإشارة في العالم" كما يدلّ العنوان. الصور التقطها مسافرون مثل ليريبور (Lerebours)، الذين تم تجهيزهم بأجهزة تصوير داجيريّة (دغروتيب) وإرسالها لتوثيق أوروبا والشرق الأدنى وشمال إفريقيا وجزيرة سانت هيلانة وروسيا وأمريكا الشمالية.2 ولا تزال تعتبر Excursions daguerriennesنموذج محاكاة لألبوم التصوير.
معلومات إضافية عن أهمية السياق: يتم تحديد الصورة، في الألبوم، بين سطرين من النص في أعلى وأسفل إطارها. وهما يقدمان معلومات حول المكان الذي أنتج فيه النموذج التصويري: مصر، الإسكندرية، وقصر حريم محمد علي باشا. يوجد في الصفحة التالية وصف مطول موقّع من قبل مُنتج الصورة فريدريك جوبيه فيسكييه. وقد انطلق هو وفيرنيه في رحلة عبر مصر، حيث كانت مهمتهما جمع صور لهذا العالم البعيد. بشرت مبادرتهما "الداجيريّة" بسلسلة من الرحلات الاستكشافية برعاية فرنسية إلى الشرق في خمسينيات القرن الـ18، بهدف توثيق خرائب ونقوش جداريّة بواسطة صور نموذجية أركيولوجية، لأغراض علمية وتجارية معًا.3 وقد أيّدوا الخطاب الإمبريالي الذي كان دافعه الحاجة إلى مراكمة إثباتات، حفظها، تصنيفها وضبطها، أي إدراك الكيان المجرد المعروف باسم "الشرق" بعيون فرنسية. ربما يمكن للمرء أن يميز في هذه الصور الأولية جذور الخطاب الذي أسماه إدوارد سعيد "الاستشراق".
الخطاب هو موضوع نقد أمين للنظرة الغربية، والتي لاحظتها في صورة قصر حريم محمد علي. بالنسبة للعين الأوروبية في القرن التاسع عشر، كانت مصر "رؤيا، صورة ثابتة، صورة هامدة من الماضي"4 مجرد تمثيل للبصر يتجاوز الزمن. يقوم عمل أمين، نوافذ نحو الغرب، بإعادة تملّك موضوع إحدى الصور وينسجها في سجادة لغرض نزع الاستشراق عنها. إن ترجمة منظر قصر حريم محمد علي من تكنولوجيا غربية إلى تكنولوجيا شمال إفريقية تنتقص من موضوع تمثيل النظرة الأجنبية.
بالنسبة للمصورين الفرنسيين، كان معنى ممارسة التوثيق البصري للنّصب وتصنيفها وأرشفتها، تحويل الشرق الى موضوع تعليم، نسبه لنفسهم بواسطة السيطرة على إنتاج معرفته.
تكشف ألبومات الصور علاقة معينة من المعرفة والقوة. الدور الذي قام فيه التصوير الفوتوغرافي بمنح مصادقة ذاتية للمستشرق لسرد قصة الشرق، أنتج خطابًا ما زال يؤثر حتى يومنا هذا على تصوّرنا للمنطقة. قد تكون صورة الشرق في روايات مثل سلامبو Salambô أو رحلة الشرق (Voyage en Orient, 1849-1852) لمؤلفها فلوبير (Flaubert)5 قد أشعلت خيال المجتمع البرجوازي الفرنسي، لكنها لم تكن تقارن بالتصوير الفوتوغرافي، وهي أداة بصرية ذات رغبة متواضعة في التقاط الواقع نفسه، أو إنتاج وثائق لا جدال عليها. وهكذا، عندما صوّر المستشرق الشرق، قام بتحديد المعرفة التي اكتسبتها أوروبا بشأنه - صورة ثابتة يجب فهرستها بين صفحات الألبوم. لقد اشتملت ألبومات الصور على الشرق. كتب سعيد:
Knowledge of the Orient, because generated out of strength, in a sense creates the Orient, the Oriental, and his world. […] the Oriental is depicted as something one judges (as in a court of law), something one studies and depicts (as in a curriculum), something one disciplines (as in a school or prison), something one illustrates (as in a zoological manual). The point is that in each of these cases the Oriental is contained and represented by dominating frameworks.6
ضمن النسيج النصي للألبومات، على هامش صور مثل تلك التي تمثل قصر حريم محمد علي، نجد خطابات القوى العينية. بالإضافة الى الإمبريالية، تكشف النظرة الذكورية خلف إنتاج الصورة خطاب تعصب جنساني أيضًا. عمليًا، دغروتيب فيسكييه-فيرنيه كان مصدر إثارة كبيرة لدى مواطنيه، بفعل التلميح الى المسألة الإيروتيكية لقصر الحريم – أ، على نحو أصح، رؤيتهم المثالوية لمفهوم قصر الحريم.7 وبسبب الموضوع والشكل الذي قوبل فيه، منحت الصورة مصر وظيفة مضاعفة: شرقية وامرأة.
قصر حريم محمد علي، وفقًا لأمين، هو الصورة الأولى من القارة الإفريقية التي تعرّف عليها الغرب. ما يقف على المحكّ في هذا التمثيل البصري ليس منظر قصر الحريم، بل صورة تلك الكينونة المسماة "الشرق"، والتي أنتجها مستوطنون جعلوا "المرأة من الشرق" وكذلك شمال إفريقيا، ماكينات يمكن استغلالها.
تحاول أمين تحرير الموضوع المُشار إليه في الصورة من خلال الاستراتيجية الفنية للاستعادة، والتي تعتبر نموذجية في أعمالها بشكل عام. لقد عالجت صورة قصر حريم محمد علي ونسجت موضوعه المركزي في نسيج جداريّ أسمته "نوافذ نحو الغرب".8 استخدام التكنولوجيا المصرية المحلية يعني استعادة الحق في التحدث عن نفسك، نفي كونك موضوعًا لسردية شخص آخر. لم يتغير موضوع التمثيل على السجادة، لكن فعل النسج (من قبل فنانة - امرأة) يرمز إلى عملية تسعى لإزالة النظرة الذكورية، الاستعمارية، عن قصر الحريم، عن الإسكندرية، عن مصر، وبالتالي أيضًا عن شمال إفريقيا الشرق الأدنى. التصحيح، السيرورة التي يتم من خلالها نقل الموضوع من وسيطه الأصلي إلى وسيط جديد،9 هو محاولة لإلغاء بُنى سلطة هي من القدَم جدًا لدرجة أنها تجمدت بالفعل في مادة، في نسيج الصورة الفوتوغرافية.
والنتيجة هي صورة لمصر ولكن بنسيج مختلف حرفياً. يشير العنوان، نوافذ نحو الغرب، بالنسبة لأمين، إلى اهتمام الأوروبيين بمدن مثل الإسكندرية بسبب إمكانية عيش ما يسمى بماضيها اليوناني، وبالتالي ربطها ثقافيًا بمصادر غربية. في استعارة لهذا التعبير، تلمح الفنانة إلى عملية القلب التي تشي بها عملية التصحيح لديها: على الرغم من أن العين لا تزال تقع على مصر، فإن تكرار صورتها ينتقص الآن من النظرة الغربية ويسلط الضوء على تاريخ الاستعمار البنيوي في الصورة. وبالفعل، فإن ما يقع داخل حقل رؤية النوافذ نحو الغرب، بتجسّدها كعدسة أو كزجاج نافذة، هو أوروبا، "نحن"، وليس الشرق، "هم".
إن إعادة التملك، كإيماءة نقدية، تعرض بشكل بصري تملّك الأوروبيين للشرق، ولكن ما الذي يقترحه لمستقبل هذا الشيء، "الشرق"؟ بعد سيرورة كشف إجراءات السلطة بأكملها. هناك حاجة لأن يقوم فنانون أصلانيون بملء الفراغات المُفرغة من التاريخ، التي نُظر إليها منذ زمن طويل كمفهومة ضمنًا. بكلمات أخرى: ماذا بعد مناهضة الاستشراق؟
- 1. Noël-Marie Paymal Lerebours , Excursions daguerriennes: vues et monuments les plus remarquables du globe, Vol. 1, 1840-1843. https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/btv1b84583748/f1.item
- 2. Michèle Hannoosh, “Horace Vernet’s ‘Orient’: Photography and the Eastern Mediterranean in 1839, part I: a daguerrean excursion,” The Burlington Magazine CLVIII April 2016, 264-271.
- 3. Keri A. Berg “The Imperialist Lens: Du Camp, Salzmann and Early French photography,” Early Popular Visual Culture, 2008, Vol. 6 No 1, 1-17.
- 4. Francis Wey, “Album d’Egypte de M. Maxime Du Camp,” La Lumière, 14 September 1851. Cited in Berg, 2008, 1.
- 5. تجدر الإشارة إلى تعريف فلوبير المرأة الشرقية على أنها "ماكينة"، وهي تجلجل من خلال وصفه الشهير لخليلته كوتشوك (Kuchuk-Hânem) في رسالة الى خليلته الفرنسية، لويز كوليت (Colet), وهو وصف تتحول فيه المرأة المصرية الى بؤرة استشراق وتشييء. يُنظر: Lisa Lowe, "Orient as Woman, Orientalism as Sentimentalism: Flaubert," in L. Lowe Critical Terrains: French and British Orientalism (New York: Cornell University Press, 1991), 75-101
- 6. Edward W. Said, Orientalism (London: Penguin Books, 2003), 41
- 7. هبة أمين تكتب هنا: https://www.hebaamin.com/works/windows-on-the-west/
- 8. أنتج عمل النسيج "نوافذ نحو الغرب" بمساعدة Textile Prototyping Lab, في برلين.
- 9. See Jay David Bolter and Richard Grusin, “Remediation,” in Configurations Vol. 4 No. 3 (Johns Hopkins University Press, Fall 1996.