
Miki Kratsman & Ariella Azoulay. The Resolution of the Suspect. Cambridge: Peabody Museum Press. 2016. 216 pages, 300 color images.
ميكي كرتسمان وأريئيلا أزولاي. درجة وضوه المشتبه به. منشورات كامبريدج: متحف بيبادي. 2016. 216 صفحة، 300 صورة بالألوان
الكتاب الجديد الذي ألفه ميكي كرتسمان، وهو نتاج تعاون مع الباحثة والقيمة الفنية أريئيلا أزولاي، يشمل خمسة أبواب لعمل الفنان وتمتد على فترة تربو عن ثلاثين سنة، منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى اليوم. الأعمال كلها تعرض بورتريهات لفلسطينيين كمطلوبين وكمرشحين للاغتيال، على الرغم من ان الذين جرى تصويرهم هم أحيانا فلسطينيون تشتبه اسرائيل بمشاركتهم في نشاطات قتالية او تخريبية، بينما في احيان اخرى هم اشخاص مجهولون ليس مشتبها بهم بأي شيء.
يبين الكتاب كيف ان المجتمع الفلسطيني برمته يتحول الى مجموعة من المشتبه بهم ويخيم مصير الموت فوقهم جميعا في كل لحظة.
يحتوي باب الأعمال الأول على ورقة مضامين لفيلم تصوير وصور من الفيلم. وقد التقط كرتسمان هذه الصور في شتاء 1988 مطلع الانتفاضة الاولى في قباطية. يظهر في الصور فلسطيني وُضع كيس على رأسه ويلازمه جنود من الجيش الاسرائيلي. وهم يكشفون الخيارات التصويرية للمصور الصحفي التي جاءت تحت ظروف تراوحت ما بين الفوضى وبين الرقابة العسكرية (الى اين ينجذب انتباه المصور، ماذا سمح الجيش له بتصويره وما الذي منعه منه، ماذا تضم كل صورة وما الذي حذف منها؟).
في الصورة الثانية، إحباط محدد، قام كرتسمان بتصوير فلسطينيين في العيساوية وهي قرية عربية تقع على سفوح جبل المشارف وتحوّلت الى حي من احياء القدس. وهو يصور الفلسطينيين من شباك مكتبه في معهد بتسلئيل، عن بعد 800 حتى 1000م، بواسطة عدسة تم تركيبها على جهاز طيران بدون طيار (UAV). تبدو الشخوص من هذا البعد وبواسطة البعد التصويري مشتبها بها حتى حين تكون مشغولة بنشاطات يومية اعتيادية. انها تبدو مثل معلومات مجردة – اشخاص فقدوا عينيّتهم وتحديدهم بواسطة البعد، الاغتراب وممارسات الملاحقة العسكرية.
يحتوي باب التصوير الثالث على سلسلة بورتريهات من العام 2007 لمطلوبين فلسطينيين. وهم يحملون اسلحة وخلفهم جدار ابيض. ان صورة الفلسطيني وهو يحمل السلاح تؤكد كونه مسلحا، ولذلك ربما تقتضي ملاحقته، وفقا لمنطق الجيش الاسرائيلي. وهنا بطبيعة الحال يتعاون المصور والشخص المصوَّر على انتاج الصورة.
قام كرتسمان في السلسلة الرابعة بتصوير نشاط نظمه مطلوبون فلسطينيون بعد تحررهم من السجن الاسرائيلي عام 2007. وقد صوّر عشرات الصور في هذا النشاط وللمشاركين فيه. عام 2011 قام بطباعة الصور، كبّر احجامها، احضرها الى مخيم اللاجئين في جنين وطلب من سكانه الاشارة الى من اغتالتهم اسرائيل في هذه الصور. وقد قاموا بذلك بواسطة رسم ما يشبه الهالة باللونين الاحمر والازرق حول رؤوس من تم اغتيالهم.
أما باب الأعمال الأخير فهو مشروع متواصل بدأ عام 2012. فقد فتح كرتسمان صفحة على موقع فيسبوك عنوانها People I Met، حيث رفع إليه صورا مقرّبة لوجوه فلسطينيين، قام بقصّها عن خلفية الصور التي التقطها على مدار السنين في إطار عمله كمصور صحفي. ويدعو كرتسمان على صفحة الفيسبوك المتصفحين الى التحدث عما جرى للأشخاص الذين يظهرون في الصور، حيث ان قسما منهم تم تصويرهم كأطفال في بداية الانتفاضة الاولى. هذا هو قلب المشروع – نشر صور اشخاص ظهروا في صوره وطرح السؤال على القراء.
ترافق سلاسل الصور نصوص لأريئيلا أزولاي التي تشير الى أعمال كرتسمان كموقف يسعى الى تقويض المنطق المعروف للمصوّر غير المنخرط/ الناشط، الذي لا يتدخل، على سبيل الافتراض، ويصور شيئا ويرى فيه دليلا مباشرا فقط على الحدث الذي وقع، القائم بحد ذاته وبشكل مقطوع عن سياقاته الخارجية. تصف أزولاي نشاط كرتسمان كفعل مركزي متواصل ومتعدد الاوجه، ما يشبه مشروع حياة في مقاومة ذلك المنطق للمصور غير المرئي الذي يُحضر شهادة موضوعية. فهي تسعى في الكتاب الى جعل من يشاهد صور كرتسمان وقرّاء الكتاب، مشاهدين وقرّاء ناشطين، منخرطين ومشاركين في الأحداث المركبة التي تشير الصور إليها. وتعرّف أزولاي استراتيجيات التصوير لدى كرتسمان وتحاجج بأنها صور تعرض الفلسطيني، كل فلسطيني، ضمن خانة "درجة وضوح المشتبه به".
بمساعدة كلمة درجة الوضوح التي تشير في الصورة الى جودتها وحدّة تفاصيلها، تعرّف أزولاي المعنى والشكل الذي يمكن ان يتحول فيه كل فلسطيني (وفي نهاية المطاف كل إنسان بحد ذاته)، من فرد الى مشتبه به بشدّة. ان هذه السيرورة تحدث حين يتم تحويل انسان حي الى خانة سياسية، وحين يتم النظر اليه من خلال ممارسات وتقنيات ومنطق اساليب الملاحقة التي تشير اليه وتفصله عن الفضاء الذي مكث فيه والسياق الذي تم تصويره فيه، وهكذا لا يعود يظهر كإنسان ذي هوية معينة وشخصية وقصة حياة – بل كمعلومات مشفرة لا غير. وبكونه شيفرة يجب تحليلها فإنه يجري نسيان إنسانيته بل يشكل تهديدا يجب وقفه، تجميده او قتله –وهو وضع يجبر كل الضالعين فيه على المشاركة في ممارسة القوة على الطرف الثاني حتى من دون نية مباشرة لذلك.
إن الوضع المركب يجسد عجز الصورة عن التعبير عن الحالة المركبة التي انتجتها، بينما تواصل العمل من خلالها وتفعيلها بواسطة الاسقاطات الكثيرة التي يمكن ان تكون لها على الواقع. تتنقل أزولاي بين منظومات تعريفية مختلفة وتقوم بربطها معا: تصوير، لغة، سياسة، مواطنة، أدب، قانون واستخبارات، لغرض تجسيد هذا الوضع المركب الذي لا يمكن احتواؤه بواسطة تعريف التصوير على انه موضوعي (وبالتالي تعريف الوضع نفسه كموضوعي). يتراوح النص ما بين الاحداث الدراماتيكية المختلفة المرتبطة بإنتاج بورتريه الفلسطيني كمشتبه به، من خلال عيون الجيش، الشاباك، الكنيست والحكومة، جهاز القانون والاعلام في اسرائيل، ويضم مقابلات أجرتها أزولاي في إطار بحثها المتواصل لهذه المواضيع مع: المؤرخ هيلل كوهين، المحامي ميخائيل سفارد، زكريا زبيدي (قائد كتائب شهداء الاقصى التابعة لفتح في جنين سابقا 1)، جندي اسرائيلي مجهول الهوية عمل كـ"مستعرب"، ومع المصور ميكي كرتسمان نفسه.
يمتد النص على قسم واسع جدا في الكتاب، وهو يصف استخدام تقنيات الملاحقة المتطورة الخاصة بالتصوير بمساعدة اجهزة الطيران الصغيرة بدون طيار. ويمكن التعرف من خلاله على قصص مركبة تصف حياة الفلسطيني المطلوب: ما معنى وضع كيس على رأس الفلسطيني؟ كيف تعلم زكريا زبيدي التمييز بين انواع مختلفة من أجهزة الطيران المذكورة خلال هربه منها؟ ما معنى مصطلحات مثل "احباط محدد" او "متعاون"؟ ما الفرق بين مطلوب ومشتبه به ومتعاون؟ وتقوم أزولاي بتجسيدها بواسطة أمثلة وقصص، وتترك احيانا فجوات بين موضوع وآخر وبين فصل وآخر. تتطلب إستراتيجية هذه الكتابة من القارئ الفحص المستمر لما هو مكتوب وتساعده ايضا على ان يكون قارئا ناشطا فعالا لا يتلقى ما يراه في الصورة او يقرأه في النص على انه مفهوم ضمنا. فالقارئ او المشاهد يفحص ويمتحن حقه بعدم القبول الاوتوماتيكي للواقع ويشدد على حقه بعدم التعرض لممارسة القوة عليه او على أي شخص آخر.
يربط الكتاب ما بين الصورة والتأمل في الصورة وبين أساليب الملاحقة والاستخبارات، ويربطها بإنتاج الوعي بشأن من يتم التأمل فيهم من خلال درجة وضوح المشتبه به. يستخدم كرتسمان تقنيات من هذا النوع لأغراض مختلفة، وعلى وجه الخصوص بشكل يظهر كيف لا يمكن الفصل بين هؤلاء الذين ينظر اليهم من خلال درجة الوضوح المذكورة، وبين من ينظر اليهم بواسطة نفس التقنيات والاساليب العسكرية، وتنتج كلها لاحقًا وعيًا جماهيريًا في الأطر المدنية أيضًا. من خلال التعاون بين كرتسمان وأزولاي يطرح الكتاب الادعاء بأنه ليس هناك صورة للواقع قادرة على التعبير عن صورة موضوعية وبسيطة وكأنها منفصلة، سيادية، مستقلة، وموضوعية، او كأن الصورة المنفردة افتراضا، بإمكانها فصل وعزل مركب واحد من علاقات القوة عن محيطه: وكأنه يمكن فصل حدث كهذا او آخر عن الديناميكيات التاريخية والخانات السياسية، القانونية واللغوية المرتبطة بإنتاجه.
يفحص الكتاب درجة الوضوح التي يقوم النظام في إسرائيل بالتأمل من خلالها في الفلسطينيين (وينتج بواسطتها الى حد بعيد الوعي الاسرائيلي بخصوصهم) بواسطة صور بصرية ولغوية: متعاون، مشتبه به، مطلوب، مسلح، مخرب، قنبلة موقوتة. هذه الخانات تنتج زوايا نظر اسرائيلية يلوح فيها فوق كل فلسطيني خطر الموت، الفوري او المستقبلي، المباشر او غيرالمباشر. هذا الوضع المركب ليس شيئا يمكن اظهاره في الصورة، لكن أعمال كرتسمان تحاول إحضاره الى المشاهدين بواسطة التقنيات التي ينتهجها.
يسأل كرتسمان وأزولاي ما اذا كان القراء والمتأملون في البورتريهات سينظرون الى صور الفلسطينيين كخانات سياسية قاتلة وبذلك يكرّسون الفلسطيني تحت درجة وضوح المشتبه به، أم سيكونون مشاهدين موضوعيين وينظرون اليه كما ينظرون الى صور لأفراد بدرجة وضوح مدنية.
- 1. كان زبيدي مطلوبا من قبل اسرائيل حين صوّره كرتسمان لبورتريهات مطلوبين فلسطينيين. وهو لم يعد مطلوبا لفترة ما، حيث ان دولة اسرائيل تغير مكانته كمطلوب من فترة الى أخرى.