كيف (لا) نكتب عن الفن المعاصر؟ مقابلة مع جيلدا ويليامز

جيلدا ويليامز، مؤلفة الكتاب "كيف نكتب عن الفن المعاصر"، تتحدث مع بار يروشلمي عن المشاكل، التخبطات والإمكانيات الجديدة الكامنة في الكتابة عن الفن اليوم.

Advertisement

يمكن افتراض أننا سنستصعب تخيّل الفن اليوم من دون تأثير النصوص المحيطة به. يبدو أن نقاد الفن، والذين ظهروا للمرة الأولى في معارض الصالون في باريس في القرن الثامن عشر، قد تحولوا الى مجموعة بحد ذاتها. لكن الكتابة عن الفن اليوم تضلل أكثر من اية مرة مضت. وحين نقف أمام الخطاب الذي تلفه مصطلحات الرطانة، فيجب بذل جهد خاص لاكتشاف الفن الكامن خلفه.

لقد التقيت د. جيلدا وليامز (Williams) – مؤلفة، ناقدة فنية، مراسلة أرط فوروم في لندن ومؤلفة الكتاب كيف نكتب عن الفن المعاصر (How to Write about Contemporary Art) –لمحادثة حول الطبيعة متعددة الاوجه للكتابة عن الفن اليوم. 

 

How to Write About Contemporary Art Gilda Williams

 

بار يروشلمي: جيلدا، اعترف أنني قبل مجيئي للمقابلة، بحثت دون جدوى في كتابك عن شيء يوجهني إلى "كيفية إجراء مقابلة"، لكنني لم اعثر على شيء. الكتاب ليس كتيّب إرشاد كما كان يمكن الافتراض استنادا الى اسمه. فهل يمكنك أن تتحدثي عن السيرورة التي قادتك الى تأليف الكتاب؟

جيلدا ويليامز: "كيف نكتب عن الفن المعاصر" هو مجموع التجارب والمعايشات التي تراكمت لديّ خلال سنوات طويلة تعلمت فيها الكتابة عن الفن. اذكر كم كان من الصعب كتابة النقد الأول – فلم اعرف أين ابدأ ولم يكن لدي من اسأله. 

لقد كنت على مدى نحو عشرين عاما محررة Flash Art International وكذلك Phaidon Press. شاهدت أعمال كتاب متفوقين، وأرشدت على أحيان متقاربة كتّابا واعدين ولكن عديمي التجربة. ولغرض مساعدتهم، أخذت على عاتقي إعداد مرشد عام يساعدهم على انجاز المهمة الصعبة – كتابة مقال طويل وذي معنى للمرة الأولى. بعد السنوات في دار النشر انتقلت الى تعليم الفن المعاصر للقب الثاني، ورأيت كيف يستصعب الطلاب ويقعون المرة تلو الأخرى في نفس الفخاخ. وهكذا فان الكتاب يلخص 25 عاما من تجربة الإجابة على أكثر الأسئلة انتشارًا فيما يخص الكتابة عن الفن. لقد فحصت ميدانيا جميع النصائح الواردة في الكتاب، وعرفت ماذا يمكنه ان يساعد.

عنوان الكتاب هو نوع من أنواع النكتة. فلا توجد قوانين تعرّف كيف نكتب عن الفن المعاصر. ربما هناك فهم مخطوء حول كيفية الكتابة عن الفن المعاصر ويصف طريقة مكرّسة ما لكتابة بيانات للصحافة أو تصريحات فنانين، ولكن هدف الكتاب عمليا كان إنقاذ الكتّاب من هذه الزاوية بالذات. فليس هناك معادلة واحدة ومن يضع هذا هدفا أمامه في الكتابة فلن يخرج من تحت يديه أي نص ذي قيمة.


ب.ي.: أنت تذكرين في كتابك عبارة international art English, التي تصف نمط كتابة متجانسا، يوجهه الرطانة ويسيطر على عالم الفن. ما هو موقفك من هذا النوع من الكتابة?

ج.و.: أصل العبارة من المقال المعروف الذي نشر في مجلة Triple Canopy عام 2012. ولكن هناك مسألة تاريخية. فعلى امتداد قرون عديدة لم يتوقع احد من أعضاء عالم الفن الكتابة عن الفن. الفنانون لم يكتبوا ولا القيمون ولا جامعو الفنون أيضا. كانت هناك مجموعتان في عالم الفن معنيتين بالكتابة عن الفن – المؤرخون والنقاد – الذين شكلوا صوتا باطنيًا لم يحبه الفنانون دائما. فمعروف مثلا أن جاكسون بولوك (Pollock) كان يمقت كليمت غرينبرغ (Greenberg) الذي سيطر على معاني أعماله. وفي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي فقط، بدأ الفنانون بالتشديد على أهمية الكلمات المرافقة لأعمالهم الفنية. لقد استعانوا بمقابلات وأشكال مختلفة من الكتابة كي تتحدث بحد ذاتها. 

إن الكتابة النوعية عن الفن ليست سهلة. هناك حاجة الى تجربة التأمل في الكثير من الأعمال الفنية وربما أيضا الى ميل معين للعمل في الكلمات والكتابة. أنا اعتقد أن اللغة المسماة International art English والرطانة يشكلان حلا سهلا لكثيرين ممن يضطرون للكتابة، على الرغم من أنهم لا يرغبون في ذلك. أنا اعلّم الكثير من الفنانين الشباب الذين كانوا يفضلون التواجد في ستوديو إنتاج الفن، ويرون في كتابة تصريح الفنان واجبا مكروها. أنا أريهم كيف كافح فنانون مختلفون لإسماع صوتهم والتحدث بالنيابة عن نفسهم، ولكن كان هناك طلاب طلبوا مني بكل بساطة: "لربما تكتبين لي التصريح؟ ففني هو نفسه تصريحي، أليس كذلك؟"

على الرغم من ذلك فالكثير من الفنانين المؤثرين يعملون اليوم في الكتابة، ومعظم الكتاب المهمين اليوم هم عمليا فنانون: هيتو ستيرل (Steyerl), فرنسيس ستارك (Stark), ليآم جيليك (Gillick), جون كلسي (Kelsey),ست برايس (Price) وكثيرون آخرون. ولا شك إنهم قرأوا أكثر من الكثيرين من نقاد الفن. وهكذا فالفنان الذي لديه ميل للكتابة اليوم – وربما يتقن ذلك أيضا – يتواجد في مكانة أفضل. هؤلاء الفنانون لا يستعينون بطرق مختصرة مثل الرطانة او اللغة المهنيّة الداخلية، فهم ليسوا بحاجة لهذا – إنهم يكتبون وينتجون أفكارا وصورا بواسطة اللغة ولا يقومون فقط بتدوير مصطلحات يعرفها الجميع.

 

HITO STEYERL "ART AS OCCUPATION" from Fundacja Bęc Zmiana on Vimeo.

 

ب.ي.: هل يجب على الفنانين والكتّاب حول الفن برأيك ان يتعلموا قبل كل شيء الرطانة الدولية حتى يمكنوا من التخلص منه لاحقا؟

ج.و.: انا لا انصح بتعلم اللغة فقط لغاية التخلص منها. اوصب بقراءة الكثير من الشعر والأدب الجيدين. قراءة كل شيء. أفضل الكتّاب في مجال الفن هم شعراء وأدباء. إنا أحب بريان درويتكور (Droitcour) الذي بدأ طريقه في كتابة استعراضات لمعارض في موقع Yelp. يا لها من فكرة رائعة – العثور على حيز كتابة شاغر، غير مستغل، والتعقيب فيه على الفن من خلال هزيمة الرطانة واستخدام لغة النقد الاستهلاكية.

هناك حاجة دائمة في تجديد لغة الفن. وهي مشكلة تاريخية: الفن يتغير واللغة تتغير. احد الحلول حسب رأيي، خصوصا بالنسبة للفنانين، هو التعاون مع نقاد وأدباء. نحب دائما استخدام مثال اندي وورهل (Warhol) وبيت هاكت (Hackett). لقد كانت صديقته وكانت لديها قدرات كتابية مدهشة. ونجحت في إضفاء السحر على كلماته وتحويلها الى نثر رائع وترجمت كلامه بدقة الى الكلمة المكتوبة. وهكذا قاما بكتابة سلسلة كتب معا. يوميات اندي وورهل (The Andy Warhol Diaries) هو مثالي الدائم على الكتابة الممتازة عن الفن. ليس فيه ولو ذرة من الرطانة.

كنت ارغب في رؤية اعتراف أكبر بالتعاون بين فنانين وكتاب، وحين ينال كتاب موهوبون اعترافا ومردودا لائقين كشريكين فعليين في الجزء الفكري من العمل الفني، وليس كعنصر خارجي ضمن العمل حين يكون قد اكتمل. إن صانع الكلام المرهف والموهوب، والقادر على العمل مع فنانين على تمثيل عملهم بواسطة الكلمات، يحمل قيمة كبرى.

 

Marcel Duchamp, Fountain, 1917, Photograph by Alfred Stieglitz..jpg

مرسيل دوشان، مرحاض، 1917 تصوير: ألفريد شتيغليتس
مرسيل دوشان، مرحاض، 1917
تصوير: ألفريد شتيغليتس
 

ب.ي.: الكاتب المتخصص بالفن هو نموذج طموح يحظى على الأغلب بمردود مادي ضئيل. فهو يموضَع في أسفل السلسلة الغذائية، وفي الوقت نفسه يساهم او تساهم بشكل هام في إنتاج قيمة وتدريج في عالم الفن. فهل تشعرين بهذا التناقض في عملك؟ هل يمكن التطرق الى من يكتب عن الفن على انه مستضعف؟

ج.و.: هذا سؤال جيد فعلا لأن عالم الفن متعلق في اللغة ولكنه لا يمنحها قيمة مادية. على الرغم من كمية النص التي يتطلبها الفن، فلم يجد النقاد والكتّاب بعد طريقة لإنتاج نصوص جيدة، تلقى مردودًا لائقًا مقابلها. النص السيء والنص اللامع يحظيان بمردود مادي مشابه. أما صناعة الفن فتنتج من النصوص بما لا يقل عن أعمال فنية. انظر كم من النصوص التي تفتقر حتى لذكر اسم المؤلف: بيانات للصحافة، عناوين أعمال على الجدران، نصوص للبيع بالمزادات العلنية. بينما ليس هناك أي عمل فني لا يرافقه اسم (او اسماء)! بالمقابل، فهناك كثير جدا من الكتابة مجهولة المؤلف، وهناك أيضا فرضية أساسية بأنه محكوم عليها بأن تكون منهكة. غالبية النصوص تستخدم لأهداف اعتيادية بهذا القدر او ذاك، فعالم الفن يحتمل بسهولة نصوصًا مملة وكتابة سيئة. نحن نعتقد بأنه ليس بوسع كل شخص أن ينتج فنا، لكن نتوقع من جميع أعضاء عالم الفن تقريبا أن يكونوا قادرين على الوصف بالكلمات لانطباعاتهم من هذا العمل أو ما يفكرون عنه، مع ان هذا صعبٌ بالقدر ذاته. ولا عجب أن قسما كبيرا جدا مما يكتب سيء. 

يجب على الكاتب الجيد أن يضيف قيمة لهذا العمل، ويجب على القارئ أن يطالب بنصوص ذات جودة اكبر. وهذه أيضا نقطة جوهرية في الكتاب – كالطموح الى رفع مستوى القراء. ويفترض بنا ان نفهم الكتابة عن الفن وان نستمتع بها أيضا. 


ب.ي.: ما هي وظيفة هذه النصوص مجهولة المؤلف التي تكرر ذاتها؟ هل يمكن تعريفها كجزء من "المادة المظلمة" التي تخيم حول العمل الفني؟

ج.و.: مثلما ادعى لورانس وينر (Weiner) "علّموا كيفية قراءة الفن". نحن نفترض أن النص يوفر لنا معنى لا نجده في المشاهدة وحدها. الآمر الأصعب هو جعل شخص يتأمل الفن حقا. ومن تجربتي هذا مستحيل تقريبا. فالطلاب يقضون ساعات على ساعات بقراءة فلسفة او نظرية في الثقافة لكي "يفسروا" عملا فنيا، لكنهم لا يبذلون دقيقة واحدة للتأمل في العمل. هذه هي الحقيقة الساطعة. إن النص عمليا هو طريق مختصرة الى المعنى، محاولة للامتناع عن ضرورة التأمل بيقظة وانتباه. ويحدث هذا لأن غالبية الناس لم يتلقوا بالمرة أي إرشاد في قراءة المعلومات البصرية، لكننا جميعا قادرون على قراء الكلمات – نحن نتدرب على هذا منذ الطفولة. 

 يمكن عموما إسقاط كل التهمة على مارسيل دوشان (Duchamp) – اذا تعالوا نتهم دوشان هذه المرة أيضا. حين ننظر الى المرحاض نحتاج الى قدر معين من المعرفة حتى نفهمه: هذا "ريدي ميد"، إيماءة راديكالية. لا يمكن اختباره بمصطلحات الجمال فقط ولا الفن أو التقاليد وحدها، ففجأة تتحول كل المصطلحات والمعايير التي استخدمت حتى ذلك الحين الى عديمة الفائدة. لقد بات العمل الفني متعلقا باللغة. وهذا ينتج أيضا ما يشبه طقس التدشين- يجب تعلّم الكلمات السحرية التي تعطي العمل معنى. الحوض عمره نحو قرن. ويجب أن نكون قادرين على التفكير بالفن وعلاقاته مع النص بالشكل الذي تقدم بعض الشيء منذ المرحاض، ولكن غالبية النصوص القصيرة حول الفن لا تزال تطمح الى منحنا نفس ذلك التمييز المدهش الذي لا يمكننا اكتشافه بأنفسنا والذي ينقصنا لكي نفهم العمل. 

يمكن للغة ان تتحول الى نوع من الغرور الذي يلف العمل ويحد من الأفكار التي يمكن أن تراود بخصوص الفن. سأقدم تمرينا أقوم به مع الطلاب الجدد: هل يمكنك الحديث عن المرحاض بدون ذكر كلمة "ريدي ميد" ولو مرة واحدة؟ او التحدث عن سلسلة "بدون عنوان" لسيندي شيرمان (Sherman) بدون ذكر النظرة الفكرية، أو السينما، أو التشييء؟ ليس ان الطلاب يستصعبون الكتابة فقط، بل يواجهون أيضا فكرة أن عليهم إنتاج إطار لأنفسهم يمكنهم من خلاله التفكير بالعمل. وهناك بالطبع ما لا يحصى من الأطر. 

 

ب.ي.: حين نستعرض تاريخ النقد الفني من رسائل بودلير (Baudelaire) حول زملائه الفنانين وحتى باري شوابسكي (Schwabsky) وتيم غريفين (Griffin) اليوم، نلاحظ تغييرا دائما في شكل المجال. من الشخصية القديمة، التي يمكن تسميتها "ملاك الحكم" وكانت وظيفتها حسم مصير العمل الفن ، وصولا الى متأمل منفعل أكثر ينظر الى العمل ويمنحه سياقا، ويحاول إعطاءه مكانا في العالم. أين تموضعين نفسك في طيف هذه النماذج؟ 

ج.و.: هناك صورة احبها كثيرا: افتتاح صالون الخريف في باريس عام 1903. فقد وصل النقاد للتوّ، ويبدو انهم جاؤوا مستعدين للهجوم، والانقضاض على الرسومات. فهم يحملون مظلات حادة الأطراف تذكر بالسيوف ويبدو أنهم بعد لحظة سيمزقون الرسومات تمزيقًا. لا يوجد في الصورة فنانون، بل فقط عمال ينقلون الأعمال كقطيع للذبح. هذه الصورة التي تقدم الناقد كشخصية مغرورة تكمن كل الأحكام في يديها فقط، هي نموذج مخيف لمنظومة العلاقات. النقاد لم يعودوا يعملون اليوم بهذه الطريقة لحسن الحظ. توجد هناك أصوات كثيرة أخرى وآراء لتجار الفن وقيمين مؤثرين وهي تؤخذ بالاعتبار أكثر مما في السابق.

ليس فقط ان القيمين وتجار الفنون يقترحون تفسيرات بعد إنتاج العمل بل أيضا، في أفضل الحالات يدعمون فنانين يثقون بهم، وذلك من خلال الإقدام على مخاطرة كبيرة. بالمقابل فان الناقد يقوم في أسوأ الأحوال بالرد الخامل على أعمال الفن وعلى معارض اختارها شخص آخر وطورها ونصبها. لو كان كل ما يمكن للناقد ان يعرضه هو نثر جميل، فلا عجب ان عمله يحمل قيمة قليلة فقط. 

 

jury of the salon de Paris 1903.jpg

إفتتاح أول معارض "صالون الخريف" في باريس، 1903
إفتتاح أول معارض "صالون الخريف" في باريس، 1903

 

ب.ي.: هناك اليوم عدد اكبر من الكتاب الذين يهتمون بالكتابة الإبداعية عن الفن. هذه ليست كتابة قيمية واستقصائية فقط وإنما لديها مساهمة نشطة في سيرورة إنتاج العمل الذي تتناوله. ما رأيك بظهور هذا النوع من الادباء/ الشعراء/ المبدعين؟

ج.و.: انطباعي هو أن هناك كتاب شباب وموهوبين يختارون التعلم في مدارس الفنون بدلا من اطر تعليم الكتابة الإبداعية. مدارس الفنون هي أماكن ممتازة لتطوير التفكير الإبداعي ولتلقي رد فعل متحمس. يشبه هذا ما حدث في صناعة السينما في التسعينيات حين قام منتجون سينمائيون موهوبون بالتوجه لدراسة الفن بدلا من السينما، والنموذج الابرز على هذا هو ستيف ماكوين (McQueen).

بنظرة تاريخية، الميل الى التقليل من أهمية المواهب التقنية في الفن طُبّق أيضا على الكتابة. إن استخدام آلات مثل أجهزة التسجيل بدت مرة كطريقة لخفض مستوى المواهب وإخراج السحر من إنتاج النص وخلق لغة فن. الانترنت بالطبع مكن أيضا من إيجاد محللين ومعلقين غير متمرسين او مختصين في الفن او في أي شيء آخر، في حقيقة الأمر.

من الرائع قراءة كتاب متمرسين مثل اوليفيه لينغ (Laing), بريان ديلون (Dillon) ومارتين هربرت (Herbert). انهم يدمجون في كتاباتهم الابداعية تجربة حياتهم الى جانب الفنان والعمل الفني، وهذا جديد جدا. اعتقد أننا نعيش في أزمنة مدهشة لكتابة الفن، حتى بالنسبة لمن هم عالقون في حضيض مستنقع الكتابة. جميع البيانات الصحافية التي يتذمر منها الجميع، تتحسن حسب رأيي. اليوم يوجد لغالبية الجاليريهات والمؤسسات الخاصة ما اسميه "كاتب البيت" الذي يتولى المسؤولية عن كل الكتابات. انهم ليسوا بالضرورة نقاد فن، وبالأحرى ليسوا نقادا فنيين بالمرة، لأنهم يدعمون مكان عملهم بشكل كامل. هؤلاء هم عمال في الفن يتخصصون في الكلمة المكتوبة، وهذه وظيفة ليس لها تعريف بعد. 

 

ب.ي.: ان حضور الكتابة عن الفن في شبكة الانترنت آخذ بالازدياد. كيف ستؤثر هذه التغييرات على عمل الناقد – الكاتب عن الفن؟

ج.و.: لقد ادخل الانترنت العجائب على الكتابة حول الفن. جعله أكثر سلاسة حيث يناقش الناس الفن بشكل مباشر، بدون تبني "صوت فني" غريب. هناك بالطبع أيضا كتابات فارغة ولكن يجب ان نتذكر بأن انفتاح عالم الفن هو ما أدى منذ البداية الى ظهور نقد الفن في القرن الثامن عشر. لقد كان أول النقاد حكّاما عينوا أنفسهم بأنفسهم، وقاموا بتغيير الملك ومؤسسة الدين وأحيانا كانت لديهم آراء منحازة لصالح فنانين يفضلونهم.

 

baud_carjat_1863.jpg

شارل بودلير, 1855 المكتبة الوطنية، باريس تصوير: فليكس ندار
شارل بودلير, 1855
المكتبة الوطنية، باريس

تصوير: فليكس ندار

 

حتى بضع سنوات مضت كان نشر نص قمت بكتابته يتطلب التسلل من خلال شبكة مكتظة من المحررين والمنقحين اللغويين. كان النص يمر تغييرات للأسوأ وفي نهاية السيرورة يكون قد ابتعد كثيرا عّما أراد المؤلف قوله. أنا سعيدة بأن هذا الإجراء اختفى. يبدو أن المحررين صاروا يتمتعون بحساسية اعلى. نصيحتي للمحررين هي ان يقوموا بإجراء تغيير فقط اذا كانوا مجبرين، مثلا اذا كانت القواعد مكسورة أو كانت الحقائق مخلوطة. في كل حالة أخرى اتركوا الكتاب وشأنهم ولا تستبدلوا ميول الكاتب المميزة بميولكم انتم.

هناك أمر لم أتحدث عنه بعد وهو الكتابة الصحافية عن الفن، وهذه ليست نقدا وإنما تقريرا مهنيا عن الشخصيات او عن البريق او السوق، وهي مواضيع عليها طلب كبير. هناك صحافة فنية متمرسة جدا اليوم ولا تنشأ دائما بواسطة أعضاء الحلقة الداخلية، وهي تستند للدراسة ومكتوبة بشكل رائع. هذه الصحافة تزدهر الى جانب أشكال جديدة من النقد. انا أؤيد هذه كلها طالما ان الكتابة ليست كسولة ويوجد لديها ما تقوله.

 

ب.ي.: هل من نصيحة اخرى، جيلدا؟

ج.و.: اعتقد ان الكتاب الشباب يصبحون أفضل حين يرغبون في فترة معينة من حياتهم حقا بمشاركة أفكارهم مع آخرين والتواصل معهم. يحدث أن تكون فكرة لدى قيّم شاب او فنان يريدون مشاركتها – يريدون حقا ومن كل قلبهم ان يفهم الآخرون أفكارهم. إنهم لا يقومون بأداء مهمة معينة فقط. هذه هي اللحظة التي يبدأ فيها كاتب الفن بالتقدم. يمكن قراءة "كيف نكتب عن الفن المعاصر" من البداية وحتى النهاية، ولكن قراءة كتاب لا يمكن أن تكون مفيدة لكتابتك إن لم يكن لديك ما تقوله.