Huo Rf (من مواليد 1988) هو فنان تركي شاب يعيش ويعمل في إسطنبول. خريج كلية الفنون في جامعة Balikesir، وأحد مؤسسي مجموعة علامات وقت (Signs of Time) الناشطة في إسطنبول. يتناول مسائل جندر وهوية، وتتركز أعماله في التوتر بين الفرد والمجتمع في ضوء معايير اجتماعية وثقافية.
هذه المقابلة جاءت في سياق افتتاح معرضه الشخصي الثاني "قصص بحركة ارتجاعية" في غاليري (Pi Artworks)، إسطنبول.
ميرفا أكار أكغون (Merve Akar Akgün): تقدم في معرضك الراهن اعمالا من سلسلة هوموتوبيا Homotopia، وتقوم في غالبيتها بدمج صورة بولارويد لرجل عارٍ التقطت صورته من الخلف. هل يمكنك الحديث عن وظيفة العري الرجولي في عملك؟
Huo Rf: أعتقد ان استخدام العري الرجولي لا يتحدى معايير اجتماعية فقط، ونحن ملزمون بموجبها بتغطية الأعضاء الجنسية أمام الجمهور، بل هذه محاولة لفحص الحدود الأساسية لمسألة خصوصية الفنان. صور العري التقطت من الخلف وليس فيها اية علامات تحدد صاحبها، ولكن على الرغم من ذلك فإن كل صورة تحمل عنوانا يتضمن اسم رجل. وعلى الرغم من أن الأسماء مشحونة بمعانٍ ثقافية، دينية، او اثنية، فكل اسم يمثل شخصًا محددا.
اعتقد ان الأعمال الفنية تكشف حياة الفنان وتجاربه، حتى إن لم يكن ذلك دائما بشكل مباشر أو مقصود. هذه هي طبيعة الفن ومسألة ان تكون فنانا. يمكن للخصوصية ان تكون مضللة. انا لا اعرف حقيقةً ما إذا كنا نخصص ما يكفي من الاهتمام لهذا أم لا، ولكن يبدو أننا لا نفعل ذلك بسبب جميع التطورات التكنولوجية. جميعنا نسقط في هذا الفخ مرة بعد أخرى. كل صورة وكل جملة نرفعها ونشاركها على وسائل التواصل الاجتماعي تتحول الى عنصر عام. وكل واحد منا ينظر الى الخصوصية بشكل مختلف. هناك الكثير من محاضرات تيد (TED) مثل محاضرة غيلين غرينوولد، التي تتناول مسائل الخصوصية. وأنا افهم ذلك على أن الخصوصية تتبلور وفقا لالتزاماتنا. ولكن لا يمكنني ان اعرّفها بمصطلحات عامة. يمكنني فقط أن أتحدث عن تجربتي الشخصية.
م.أ.أ: حسب رأيك هل تقوم من خلال التنازل عن الخصوصية بربط الفن بالتضحية؟ بماذا ضحيت حين تحولت الى Huo Rf ؟
HR: انت تضحي سواء كان ذلك أمرا مرغوبا أم لم يكن. على الرغم من أن الفن يغذينا جميعا فانه في النهاية ليس حديقة من الورود. الفن ليس فضاءً متحررا من الواقع، على الرغم من ان الأمور تبدو لنا هكذا احيانا. وأسوة بجميع الناس في كل العالم فنحن نستيقظ كل صباح على أخبار لم تكن معروفة لنا أو لا تروق لنا. نحن نواصل إنتاج الفن في الوقت الذي تقع فيه الحروب والهجمات الإرهابية. لربما يعني هذا أننا نتأقلم بسرعة كبيرة مع الألم. ولكن هذا يعني ايضا انه حين يتعاطى العالم مع كثرة في الأزمات، فان الفن قادر على تبوؤ مكان ضئيل فقط. بالإضافة الى ذلك، فان عددا قليلا من الناس فقط لديه منالية للفن، ولذلك يضطر منتجو الفن الى الصراع على معيشتهم ووجودهم. وبالتالي فإن كل فنان، ولست وحدي فقط، يحمل مسؤولية ويضحي ويقدم قرابين ضمن نفس تلك الظروف القاسية. ولكن على الرغم من ذلك فنحن لا نتوقف! نحن نختار استغلال الظروف التي تشعرنا بالتحدي من اجل إنتاج قصص جديدة نواصل كشفها وعرضها أمام الجمهور.
م.أ.أ: كيف كنت ستصف اليوم وظيفة الفن؟
HR: إنا أوافق مع ما قالته هيتو شطايرل (Steyerl) قبل عدة سنوات: "الفن المعاصر لا يعكس فقط التغيير الحاصل نحو نظام عالمي جديد، ما بعد الحرب الباردة، بل انه ينخرط فيه بشكل فعال. الفن مشارك فعال في التطور الزاحف للرأسمالية الدلالية. في كل مكان تقوم فيه شركة T-Mobile بغرس علمها. الفن ينخرط في إخراج مواد خام لمن يقوم بالتصنيع المضاعف. الفن يشارك في التلويث ويشارك في الاستطباق Gentrification، ويهدم أيضا. الفن يغري ويقوّض وفجأة يذهب في حال سبيله ويكسر قلبك..."
أنا أفضل غالبًا الحفاظ على مسافة قليلة بعيدة عن "الفن السياسي". لكني اعتقد ان كل فنان هو سياسي بمستوى معين. يمكن للفنانين ان يكونوا مباشرين أو لا، في استخدامهم للسياسة. الفن لدي يتناول عدم مرئية الثقافة الكويرية في تركيا وأماكن أخرى. في اطار بحثي تأثرت الى حد عال من كتاب سنسليك مواماسي: الثقافة الكويرية والرفض في تركيا (2012) (Cinsellik Muamması: Türkiye'de Queer Kültür ve Muhalefet) - وهو كتاب مهم عن الثقافة الكويرية في تركيا، قام بتحريره سركان ديليس (Delice) وكونييت تشاكيرلار (Çakırlar).
م.أ.أ: كيف وصلت الى فكرة هوموتوبيا؟
HR: قبل عدة سنوات حين بدأت العمل كمتدرب في غاليري رمبه في اسطنبول، كان المعرض الاول الذي اشتغلت عليه يسمى "هتروتوبيا 1992- 2011" – وهي سلسلة أعمال أنتجت في اطار التعاون المتواصل بين حسين بهاري البكتين (Alptekin) ومايكل موريس(Morris). لقد أثارت أعمالهم انطباعي كثيرًا وتحولتْ لدرجة ما الى قسم من حياتي ومن قصتي. هوموتوبيا (Homotopia) هو نتاج رد فعل فردي. هذه محاولة لسرد قصصي التي تقوم على لقاءات مختلفة ومتأثرة بالعراقيل التي وضعت في طريقي. لقد استخدمت جميع انواع المواد ، العديد من الأجساد والهويات المختلفة لغرض سرد قصتي وعرض تجاربي. وكانت النتيجة أعمال كولاج مفتوحة بدون حدود.
م.أ.أ: هل يمكنك ان تتحدث قليلا عن سيرورة عملك؟
HR: قيّمة المعرض نيكول اورورك (O’Rourke) تابعت الاعمال على محور الزمن. في خاتمة المطاف تمكنت من سيرورة العمل بما لا يقل عني. هذه المشاركة بيننا مهمة جدا بالنسبة لي. هناك منظومة كاملة من الذكريات، وهي مختلفة تماما عنها لدي، وقد ساعدتني على التوجه الى العمل من زاوية أخرى. وقد وضعنا التشديد على هذا بالضبط. ماذا يعني لنا جسد رجل مصوّر من الخلف؟ والجواب على هذا السؤال يكتسب صورة من خلال دمج ذكريات كل من كانوا منخرطين في المشروع. ما الذي تمثله كل هذه الأجساد التي لم نلتقِ بها بالمرة ولا نعرف شيئا عن لباسها وخلفيتها الاثنية او عملها؟ كيف تم تصميمها؟
مثل هذا اللقاء الخالص كان منطقيا واكتسب صورة فقط ضمن مخزون معلومات مشتركة.
مثلا، حين عملت في رامبه اعدنا تشكيل عمل جولسون كارمصطفى (Karamustafa)، مواضيع رغبة (Objects of Desire)، وذلك لعرضها في المعرض الاسترجاعي في هامبورغ ر بانهوف (Hamburger Bahnhof). هذا العمل يتجلى مرة واحدة من خلال أعمالي بواسطة قماش الخلفية. الأشرطة التي استخدمتها في عمل آخر مرتبطة بعمل إضافي لكارمصطفى وعنوانه "وجهة جديدة" (New Orientation). أنا استخدم هذه الذكريات لغرض انتاج قصص وبورتريهات جديدة.
م.أ.أ: بموازاة المعرض نشرت أيضا كتابا تحت العنوان نفسه. ويبدو هذا الكتاب أكثر من مجرد كتالوغ للمعرض. ما الذي يحتويه؟ وما الهدف منه؟
HR: لقد أردت شيئا يتجاوز إنتاج كتالوغ يتمحور فقط في المعرض لا غير. وكانت النتيجة كتابا أُنتج بشكل جماعي. لست وحدي فقط – بل كان 14 من اصدقائي مشاركين في الكتاب. التصميم البديع أنجزته مجموعة "فتيات في طريقهن الى البيت" (Girls on Their Way Home) كيفين بفاف (Pfaff) ويادا تومومي (Tomomi).
قامت القيّمة نيكول اورورك بتأليف قصة تشكل المعرض. وقد كتبت حول الايحاءات وموزات الفن ومرجعياتنا. قيمة أخرى هي مارفا الفيرين (Elveren) ساهمت بقصص كتبت بوحي القصص التي في خلفية أعمالي. فتقاطعت مع مرجعياتها لإنتاج شيء جديد.
زميلتاي هيرا بويوكتشيان (Büyüktaşçıyan) وغولسون كارمصطفى، كانتا على معرفة جيدة بالكثير من أعمال السلسلة واندمجتا في الكتاب. قررنا أن يضم الكتاب مقابلة أجريتها مع كارمصطفى لمجلة Sanat Dünyamız حول "الكرونوغرافية" (Chronographia)، وهو معرضها في هامبورجر بانهوف. تشير المقابلة الى استيحائي منها. كذلك فقد كتبت بنفسها مقدمة للمقابلة. وحولت تجاربنا المشتركة الى قصيدة ألفتها ورافقتها ثلاث صور التقطتها بطلب مني. يضم الكتاب أيضا توثيقا لسيرورة الإنتاج وكذلك فصولا تضم أعمالا لفنانين من "علامات وقت". وهو مشروع فني مستقبل قمت بتأسيسه عام 2012.
يعطي الكتاب صورة عن فترة محددة في حياتي: القصص، التجارب، الإيحاءات والتطرق للأشياء. هذا الكتاب الذي بدأ من لقاءات شخصية تحول الى عمل مستقل، بُعد جديد في جسد عملي الذي يضم تجارب عديدة ومتنوعة.
معرض Huo Rf "قصص بحركة ارتجاعية" عرض في بي-ارتووركس في اسطنبول حتى الثامن من كانون الاول 2017 .