حول اللون وفضاءات أخرى

فضاء اللون هو تنظيم لألوان بطريقة معينة، تمكّن من عرض اللون وتمثيله من خلال وسيط يدوي ورقمي. لا تتناول هذه المقالة البصرية نظرية اللون، بل الشكل الذي ينتظم اللون فيه إلى موضوع، أو بالأحرى، إلى شكل.

Advertisement

فضاء اللون هو تنظيم لألوان بطريقة معينة، تمكّن من عرض اللون وتمثيله من خلال وسيط يدوي ورقمي. لا تتناول هذه المقالة البصرية نظرية اللون، بل الشكل الذي ينتظم اللون فيه إلى موضوع، أو بالأحرى، إلى شكل.

يتعلق تنظيم فضاء اللون إلى حد بعيد بنظرية اللون التي يقوم عليها. مثلا، انشغل غوته في الشكل الذي يبدو فيه اللون للعين البشرية، بينما صاغ نيوتون نظرية موضوعية، تناولت طول الموجة الضوئية ولونها.

لكن تأمّل الألوان الناشئة من أشكال التنظيم هذه تحيلنا الى جهاز تنظيم المعرفة بالذات، أكثر مما هو إلى المعرفة ذاتها. أي، لنتساءل: كيف يمكن بشكل بصري تمثيل موديلات نظرية (كالموديلات الرياضيّة، مثلا)؟ أية صورة نرسم أو أي مبنى ننشئ لكي نعطي شكلا ملموسًا لأفكار مجردة؟  

 

 

هذا هرم لون من القرن الثامن عشر رسمه الباحث السويسري يوهان هنريخ لامبرت ((Lambert أواخر القرن الثامن عشر. الهرم منظّم بسبع طبقات. أساسه أسود، الألوان الداكنة في وسطه هي ألوان أساسية، وفي قمته اللون الأبيض. 

 

 

الموديلات الأكثر حداثة ذات صورة كروية، مثل تلك الناشئة من أسلوب اللون لدى الرسام الأمريكي ألبرت هـ. مونسيل (Munsell), الذي درّس الفن في بوسطن مطلع القرن العشرين. المحور العمودي يتراوح بين الأبيض والأسود، والمحور الأفقي هو محور إشباع اللون، بينما المحيط يشير إلى نطاق الأطياف اللونية. 

 

 

في الفضاء الرقمي، تلتقي الكرة – وهي شكل مثالي، كامل – مع منظومة الإمكانيات المحدودة للعالم. فضاءات اللون الرقمية متعلقة بنطاق الألوان الممكنة  لجهاز نقلها المحدد، مثل الشاشات، الطابعات والأوراق المتنوعة. نعم، لقاء الكرة المفاجئ مع المحدوديات الرقمية، ينتج كرة "حليقة" – مضلّعًا.

 

 

مثيرٌ اكتشاف أن كثيرًا من الأشكال او المواضيع التي ظهرت على امتداد التاريخ بواسطة فضاءات اللون هي نتاج للخيال البصري، وليس الحاجة الأدائية بالذات. مضلع ديرر (Dürer), مثلا، الذي يظهر في العمل ميلانخوليا-1 Melencolia I)) حفّز خيال كثير من المؤرخين بشأن معانيه الممكنة وما الذي يمثله.

مسألة المرجع (ما الذي يمثله الشيء، ما قصد الشاعر في قصيدته؟) هي مسألة مهمة، كالمسألة العلمية على الأقل، ولكني كنت أرغب في مواصلة فحص كيف يعمل الشكل في فضاء الصور؟ أي، كيف يتحول من موضوع عقلاني الى موضوع قادر على إثارة الخيال البصري؟

 

 

 

هذه صورة فوتوغرافية لمان راي، والذي يروي في سيرته الذاتية عن الدهشة التي شعر بها في إزاء مواضيع رياضية. حين زار مدرسة للرياضيات، شاهد منحوتات تحاكي سلوك دوال رياضية، وحول هذه المنحوتات إلى صور ورسومات.

 

 

كذلك، الرسام الياباني المعاصر هيروشي سيغوموتو ينشغل بمواضيع رياضية: في سلسلة الصور هذه تظهر موديلات من الجصّ تم إنتاجها أواخر القرن التاسع عشر في ألمانيا كوسائل مساعدة في تدريس الرياضيات.

 

 

 

احدى الصور اللافتة بشكل خاص، لمصور غير معروف الهوية، موجودة ضمن مجموعة عارض أعمال مان راي، جوليان ليفي. هذه الصورة، من سبعينيات القرن الماضي، التي يمكن فيها رؤية منحوتة لفضاء اللون، تعيدنا الى الحساب الرياضي للون نفسه.

 

 

إن التجول القصير بين التمثيلات البصرية لفضاءات لون تكشف لنا أن الشكل الناتج يمثل حقًا المواضيع العلمية، ولكنه عشوائي، ويعبر في خاتمة المطاف عن مسلمات محددة للتمثيل البصري. أي، الشكل يستجيب لمنطق قابلية الرؤية، وهو غير علمي بل بصري. حتى أن المسلمات الحديثة نفسها لشكل فضاءات اللون، تتجاوز العلم الصارم، وتتدحرج في الفضاء الثقافي إلى سينما الخيال العلمي، مثلما يمكن رؤيته في صورة الـ"Sandcrawler" – سيارة البراري التابعة للمفاعلات الصحراوية في "أمل جديد" - أول أفلام سلسلة "حرب النجوم".

 

 

والخيال المدهش الذي تحول الى "ميم" (Meme) بين الـ"Sandcrawler" وبين بيت الموسيقى في بورتو، البرتغال، من تخطيط  OMA (مكتب المصممين المعماريين الذي يرأسه رام كولهاس)

 

 

والشكل الذي صُممت به طائرات الشبح.

 

 

أساف عفرون هو فنان، خريج معهد شيكاغو للفنون، يعيش ويعمل في شيكاغو

*مكاشفة لائقة (الفنان ينحت فضاءات لون رقمية)