صور ذاكرة

هديل أبو جوهر تسير في دروب ودهاليز الذاكرة القريبة وتلمّح لما هو أبعد، وتطرح أسئلة عن توتر الصورة والحدث والبحث الانساني عن مكان وعن معنى المكان

 

كانت سلمى تعتقد أن البحر بعيد، وأنه كان عليها أن تستقل الحافلة للوصول اليه. 
تجلس على الكنبة، تغرق في سباتها اليومي، تفيق لترسم خطوطًا متفرقة أو لتصنع كأسًا من طين...
نسيت جسدي بين الأيام الطويلة التي كان فيها ممتدًا على السرير، نسيت جسدي عندما حاربني شبح الكآبة فأصبحت الفساتين ضيقة لا تصلح لي وأصبحت أهرول بملابس غامقة كي لا أتعثر بجسدي!
نسيت جسدي في مقهى أخبئ فيه يدي وبطني وخاصرتي، نسيت جسدي حتى بتّ أقص جميع الصور!

  • فيما تبقى من ذاكرتي صور متزاحمة، صور كستها التقنيات وصور أخرى بشعة كما هي 

أتعرفين يا سلمى

  • تثيرني علب المجوهرات خاصتك، جميعها مثيرة. أتجمعين داخلها الفضة أم الذهب يا سلمى؟ 

سلمى من المقعد الأخير: لا بل أجمع العقاقير، ففي كل مرة أبتلع حبة دواء اشعر أني أقوم بابتلاع خاتم من الماس.
هل فكرتَ حقًّا يا سالم ان تقوم ببلع قلادة من الذهب؟ أو خاتم من الماس؟
سالم: أبدًا، ما زلت مندهشًا من أن ذلك ما تقومين بفعله! 
سلمى: ألا ترى النساء كيف تنفرج أساريرهن عند حصولهن على خاتم أو قلادة من الماس؟ 
سالم: نعم واعرف تمامًا أن علب المجوهرات خلقت لهذا الغرض.
سلمى: أنا تثيرني حبة دواء بعلبة مجوهرات، فأنا كباقي النساء يتحسن مزاجي عندما أرى علبة المجوهرات.

  • المكان خدعة، قالت سلمى، وهي تلف السجائر وتتمتم من خوفها على صحتها. سلمى لطالما اقتربت من الأماكن المؤلمة وفي النهاية أدركت أن المكان خدعة واللامكان هو الحياة بكل منعطفاتها، بكل أزقتها وضيقها.
  • الوحدة حرب.

 

 

هذا آخر ما كتبته سلمى: 

  • أكثر ما يمكن فعله في هذه الدنيا هو التشرد

تشرد دقيقة أو أكثر من سواد الواقع

من التناقضات التي تسكنك

وتجرد 

تجرد كما تجردت سلمى من ملابسها في البحر لتسبح 

ولا تتمرد

لا... لا مكان هنا

قالت لي سلمى هذه الجمل في عام 2013 وما زال رنين جملتها قابعًا بعقلي لكي أجد مكانًا ففشلت  

فإذا به لا مكان في أي مكان

خلل الذاكرة

تبسمت سلمى فما عادت تغضب لأجل البلبلة التي تحدث داخلها  

ولا لنسيانها التام للأشياء، للطرق ولكثير من التفاصيل الحياتية

تتصارع الذكريات داخلها فلا تقوى على تحمل وطأة الأيام وما يقطن داخلها

  • انجرفت ذاكرتي باتجاه الوادي الخارجي

القريب من حضيض الرمان

ذاكرتي قابعة هناك 

أسفل الدرج

حيث الدرج الكبير الفاصل بيننا وبين الوادي الذي صور لي خيالي وأنا طفلة  أن السيارات ستنجرف إليه كما انجرفت الكرة القذرة التي أحببناها يوما  

كما ورأيت سلمى البارحة تنجرف الى الوادي 

رأيتها جميلة جدًا 

رأيتها بآخر أحلامي

 

سلمى في الدقيقة ال-90 ألغت تذكرة السفر للدقيقة التسعين، سلمى المتأرجحة بقرارتها، قالت لي يومًا: لا مكان هنا.