مبادرة الشرق الأوسط في السينما: حوار مع روت بريسيلا كيرستاين

"في غالبية الحالات يتلخص الأمر بـ "إرهابي 1"، "إرهابي 2"، "إرهابي 3"، وبالنسبة للنساء الأمر حتى أسوأ بكثير". مات هانسون يحاور د. روت بريسيلا كيرستاين، مؤسسة مبادرة الشرق الأوسط في السينما (MEFI) في نيويورك، حول ممارسات تمييزية وانعدام تمثيل فنانين وممثلين من الشرق الأوسط، وحول أساليب جديدة تستند الى المجتمع، تعرضها منظمة MEFI للتعاطي مع هذه المشاكل.

Advertisement

مبادرة الشرق الأوسط في السينما (MEFI) هي منظمة لأهداف غير ربحية تعمل على دفع المساواة في الفرص (EEO) وتدعم العاملين في صناعة الإعلام والترفيه لذوي الأصول الشرق أوسطية في أمريكا، أو ممن ينشطون في إطار مبادرات ذات أهمية لمجتمعات محلية من أصول شرق أوسطية. MEFI تعيد التفكير في الفن المنخرط اجتماعيا وتتعاطى، أيضا، مع مسائل ترتبط بالتنوع في الإعلام وذلك بواسطة إنتاج سينما محلية تستند إلى المجتمعات.

منظمة MEFI التي يمكن القول ربما إنها الأولى من نوعها في الولايات المتحدة الأمريكية،1 تأسست عام 2013 من قبل د. روت بريسيلا كيرستاين، وهي ممثلة، راقصة، مخرجة ومصممة أزياء حائزة شهادة دكتوراة في الطب، دكتوراة في الأخلاقيات الطبية والتاريخ. أجريت هذا الحوار معها عام 2017. لكني واصلت العمل عليه وتحديث مضامينه من خلال مراسلات مع د. كيرستاين. هذا النص يقوم بالتالي على حوار مباشر، لكنه أيضا نتاج تعديلات تمّت خلال المراسلات على امتداد العام الأخير.

 

DSC03408.JPG

المشاركون في ورشة "حياة مزدوجة" التي نظمتها MEFI وعقدت في مركز هاجوب كفركيان لدراسات الشرق الأدنى في جامعة نيويورك (MEFI).
المشاركون في ورشة "حياة مزدوجة" التي نظمتها MEFI وعقدت في مركز هاجوب كفركيان لدراسات الشرق الأدنى في جامعة نيويورك (MEFI).
 

مات هانسون: كيف وصلتِ إلى مرحلة أيقنت فيها أن MEFI تحولت إلى أمر يجب القيام به، من ناحية عملك المهني ونشاطك الفني؟

روت بريسيلا كيرستاين: لقد بزغت MEFI من حاجة شخصية ومن نقص شعرت به في نيويورك، وهو نقص في موقع لقاء للأشخاص المعنيين بالعمل في قضايا مرتبطة بالمجتمع الشرق أوسطي المحلي، أو أنهم أنفسهم أعضاء في هذه المجتمعات – أي مكان يمكنهم فيه اللقاء، استلهام الواحد من الآخر وإنتاج علاقات وفرص.

هذه المجتمعات السكانية المتنوعة غالبا ما تتواجد خارج جهود خلق التنوع في صناعة الترفيه. لقد بدأنا على نطاق صغير عام 2013، وقدم صديقي عماد خشان (Khachan) بسخائه الجزء الخلفي من دكان الشطرنج الذي يملكه ووضعه تحت استخدامنا. ومنذ ذلك الحين كبرت المنظمة على نحو مدهش. لاحقا قامت جامعة نيويورك بإعطاء رعاية لعدد من ورشاتنا متعددة المجالات وتبين أن هناك أشخاصا كثيرين يشاركوننا نفس الاحتياجات ومجالات الاهتمام ولكنهم لم يجدوا عنوانا يتوجهون إليه. المنظمة تتطور الآن إلى ما يشبه شبكة علاقات رائعة وفرت عددا من الفرص للمشاركين. MEFI تبرز أيضا بكونها ليست تابعة إلى أي كيان سياسي أو ديني أو إلى أية جهة خارج الولايات المتحدة.

إن ما يربط جميع مركبات عملي معا هو طموحي للبقاء فاعلة وتعريف الناس والتشبيك بينهم ومساعدتهم بأساليب خلاقة. أنا أقوم بذلك بمساعدة أدوات متعددة المجالات وتجنيد جميع قدراتي في مجالات العلم، الترفيه والحركة البدنية.

م. ه.: كيف يتعاطى MEFI مع النقص الجدي في تمثيل إعلاميين من أصول شرق أوسطية في أمريكا؟

ر. ب. ك.: نحن نعمل بواسطة برامج تربوية، ورشات، تطوير منظومات تعليم وتمثيل، وكذلك من خلال تطوير مبادرات وتقديم استشارة. المشروع الذي نطوره الآن هو مسلسل على الانترنت 0حول "سورية الصغيرة" الذي يفترض أن يشكل أداة لخلق علاقة معززة بين مجتمعات معاصرة وتلك التي سبقتها.

هذا المسلسل مستوحى من روح العمل بعنوان "سورية الصغيرة" في مانهاتن.2 حين نتقصى أبناء هذا المجتمع الذي عاش داخل أحد الأحياء في فترة صاخبة جدا في نيو يورك (والتي كانت في ذلك الحين لربما مدينة أكثر كونية مما هي عليه اليوم)، يمكننا رؤية أنهم وجدوا طرقا خلاقة للدمج ما بين هوياتهم الشرقية والغربية بشكل يتيح لنا التعلم منهم اليوم. نحن نعيدهم إلى الحياة بواسطة إنتاج شيء راهن كردّ على التعطش الكبير لفرص جدية في صناعة الترفيه.

 

index.jpg

مطعم لبنان (سوري)، شارع واشنطن 88، منهاتن. 1939
مطعم لبنان (سوري)، شارع واشنطن 88، منهاتن. 1939

The Miriam and Ira D. Wallach Division of Art, Prints and Photographs: Photography Collection, The New York Public Library.

 

Lydia Nofil - Introduction

مقابلات مصورة نادرة أجرتها MEFI مع سكان سابقين في سورية الصغيرة، والتي شكلت مصدر الهام للمسلسل على الانترنت. (MEFI)


م. ه.: متى تبلورت لديك فكرة MEFI ؟

ر. ب. ك.: لقد تطور المشروع من خلال الأحاديث مع الناس. أحاديث مع الناس، وتعلم من تجاربهم واحتياجاتهم. وعلى النحو ذاته تواصل MEFI النمو والتطور. هناك أشخاص من كل أنحاء الولايات المتحدة يتواصلون معنا وكل هذا بفضل العلاقة الإنسانية المباشرة.

أنا أيضا أردت تحقيق مواهبي في مجال التمثيل، الحركة، مباراة السيف، العلم واللغات أمام الكاميرا. حين أختار هذا الطريق. أصطدم بتلك المصاعب بالضبط التي عاشها أعضاء آخرون في المجموعة. ونحن نرى ذلك بوضوح في بيانات تشكيل الطواقم التي تصلنا يوميا.

إذا لم تكنّ مستعدات للتعري، أو إطلاق رصاص المسدس، فإن العمل المتاح للنساء هو قليل جدا. هذا وضع خطير جدا بالنسبة لمن يملكن ما يقدمنه وراغبات في القيام بأشياء قيمة جدية أمام الكاميرا. إن كل من تتواجد في مجال التمثيل تعرف مثل هذه البيانات المنحازة. وإن كنتن تنتمين إلى مجموعة أقليات أو كانت لديكن تفضيلات فنية معينة، فستواجهن تحديات إضافية. المصاعب تتراكم أكثر. هذا وضع استثنائي يطال أشخاصا عديدين ويجب الوقوف أمامه بشكل مستقل، داخل هذه الصناعة وخارجها.

 

Reel Bad Arabs: How Hollywood Vilifies a People

Reel Bad Arabs: How Hollywood Vilifies a People, 2006, 50 min., (dir. Sut Jhally, Jeremy Earp). Media Education Foundation

 

تضم منظمة MEFI أشخاصا من جميع المهن المتعلقة في إنتاج السينما، التلفزيون والإعلام الجديد وتمويله في أمريكا. أي أن الأمر لا يقتصر على ممثلين. المهنيون في هذه الوظائف يواجهون تحديات مشابهة حين يتقدمون للفرص المتاحة. من المهم الإشارة هنا إلى أن ذوي الأصول الشرق أوسطية ومن يعملون على مسائل ذات أهمية لمجتمعات شرق أوسطية يواجهون مصاعب مشابهة. التمييز على خلفية الانتماء هي ظاهرة يجب التنبه إليها.

في مسيرتي الشخصية، كان المثول في دعوات اختيار الطواقم ومقابلة مديريها، وملاحظة أنهم يعيشون تحت ضغط المنتجين أو الكتاب، قد عزز لدي بالتأكيد الشعور الملح بوجوب إقامة مبادرة سينمائية.

م. ه.: هل يمكنك أن تصفي لنا العراقيل الأساسية التي تقف في طريق إعلاميين من أصول شرق أوسطية؟

ر. ب. ك.: تتجسد التحديات على الغالب في المفاوضات مع مديري اختيار الطواقم. حين يختارون لدور يفترض أن يقدم شخصا من أصول شرق أوسطية، غالبا ما تنقصهم المعرفة حول الواقع وحول مظهر الناس ميدانيا. إن مداركهم محدودة بعض الشيء حول كيفية وجوب ظهور شخص ما أو كيفية سلوكه ويحاولون تطبيق هذه الرؤية المنقوصة.

ولكن مديري تشكيل الطواقم لا يعملون ككينونات منفردة. إنهم يطبقون ما يطلبه المنتجون والكتاب الذين غالبا ما يكونون بأنفسهن عرضة للضغوط والقيود. وبالتالي سوف يتجاهلون أن الأساس هو ما يمكن للممثل أن يؤديه وما يعجز عنه. ولغرض مواجهة انعدام اليقين هذا يوجهون أسئلة مرتبطة بأصول الشخص، الخلفية الاثنية والقومية – وهي أسئلة لا يفترض أن تطرح في أي نوع من مقابلات العمل. وهذا ما يضع طالب العمل في وضع غير مريح، فكيف سيجيب على مثل هذه الأسئلة؟

مسألة أخرى، شائعة جدا وتخص جميع اللغات ما عدا الانجليزية والاسبانية، هي أنه حين تكون حاجة لأشخاص متحدثين بتلك اللغات في فيلم، دعاية أو عمل إذاعي فإن اختيار الطواقم أو من يقف خلف المبادرة يحاول الحصول على خدمات أخرى مثل الترجمة والترجمة الفورية، بدون مقابل. بدلا من استئجار خدمات شخص مهني لترجمة النص المطلوب – للغة العربية مثلا – فإنهم يستدعون ممثلا أو ممثلة يقدمون لهم نصا بالانجليزية ويقولون هل يمكنكم ترجمة هذا للعربية؟ يقومون بتسجيل الترجمة ولا يقدمون لهم الوظيفة ثم يواصلون استعمال الترجمة خلال العمل. هذا أمر شائع جدا وشكل آخر من أشكال استغلال مهنيين ذوي مواهب متعددة.

م. ه.: كيف يتم تحويل هذه المصاعب إلى عراقيل وعلى نحو خاص بالنسبة لنساء من أصول شرق أوسطية؟

ر. ب. ك.: بخصوص النساء، فجأة بدأ الجميع يتحدثون عن هذا في الإعلام لكن المشكلة قائمة منذ بدايات تشكّل ذاكرتي وقبل ذلك بكثير. حتى لو أشرت في سيرتك الذاتية – على مواقع الشركات التي تدير العلاقات مع شركات اختيار الطواقم – بأنك غير معنية بالظهور في حالة عري أو في مشاهد جنسية فإنهم يواصلون غمرك يوميا باقتراحات عمل من هذا النوع. وعلى الأغلب يكون هذا مستترا ولن تلاحظي ذلك إلا إذا تعمقت أكثر في الموقع. علاوة على تضييع الوقت فإن هذا مهين أيضا – أنت تدفعين مقابل خدمة وتكتبين بشكل واضح أنك غير معنية بأمور معينة وعلى الرغم من ذلك تكون هذه معظم الاقتراحات التي تصل إليك. أما المنظمات والنقابات المهنية فلا تتخذ أي موقف في هذا الشأن.

إن الكثير من الممثلات من أصول شرق أوسطية يمثلن نوعا "آخر" للمرأة من ناحية جسدية، من ناحية الايماءات، من الناحية الجمالية وللأسف لا نراهن عموما في قنوات الإعلام المركزية. ولا يحظين سوى بمنالية محدودة للأدوار المهمة. ومثلما يضطر الرجال لقبول أدوار إرهابيين كي يحظوا بموطئ قدم، فهكذا تضطر النساء لقبول تجسيد أدوار معينة تستند على غرائبية مفترضة وعلى جاذبية جسدية من أجل دخول المجال. هذه مواجهات يومية وعراقيل يومية.

إذا لم تكوني مستعدة بالقيام بمثل هذه الأدوار ستضطرين للتنازل عن معظم اقتراحات العمل، وذلك بسبب المطالب غير اللائقة الواردة فيها. أرى أنه من الجدير بالجمهور الاهتمام أكثر بالثمن الإنساني الذي يتم دفعه عند إنتاج الترفيه الذي يستهلكه. لو حاولنا وضع هذه الظواهر في سياق كوني، فيمكن مثلا أن نرى في ألمانيا، خلال فترة نابليون، أنه كان ينظر الى نساء يهوديات من الشتات الشرق أوسطي ممّن أقمن هناك، كـ"بنات الشرق الحلوات". لقد انجذب الرجال إلى هذه الغرائبية، ونظروا إليهن كمفرطات في الجاذبية الجنسية ورأوا فيهن رفيقات لائقات – ليس بسبب كل هذا وإنما لأسباب دنيوية أكثر.

 

 

Ruth Priscilla Kirstein Headshot Internet1.jpg

روت بريسيلا كيرستاين، مؤسسة  MEFI  تصوير: جيري بنتسر
روت بريسيلا كيرستاين، مؤسسة MEFI
تصوير: جيري بنتسر

 

م. ه.: لماذا توجد أهمية كبرى للتركيز على المجتمعات الشرق أوسطية في أمريكا، قياسا بتجربتك المهنية الفنية في أوروبا ودول أخرى؟

ر. ب. ك.: حين أطلقت MEFI في نيويورك عام 2013، كان هذا فور عودتي إلى المدينة من باريس. تضم باريس تنويعة واسعة من الإمكانيات ويمكن مشاهدة أفلام وأحداث فنية كل مساء والتحدث مع أشخاص مهتمين بالمحيط وبالرؤى الفنية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وبسبب احتواء باريس على الكثير من مراكز الثقافة فإن غالبية هذه الأحداث والمناسبات متاحة للجمهور بدون مقابل. كل من يرغب يمكنه أن يحظى بنوع من الثقافة مجانا دون مقابل، بواسطة المحادثات مع الناس والمشاركة في المناسبات.

إن مثل هذه الفرص للتعرف على ثقافات شرق أوسطية ومتوسطية غير متوفرة في نيويورك. لقد لمست هذا النقص بدرجة أكبر حين عدت من باريس. إلى حد ما جاءت إقامة MEFI ردا على هذا النقص أيضا. يسود في أمريكا وضع خاص لأنه مثلما يمكن التعلم من مبادرة سورية الصغيرة التي أعمل عليها الآن، عاش الكثير من أبناء المجتمعات الشرق أوسطية هنا منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر وما زالوا يواجهون نفس الصعاب حين يتعلق الأمر بالتمثيل المتعدد والمتنوع في الإعلام.

إن توفير منالية لفرص مهنية أمام ممثلين هو تحد كبير. ويتضح من أبحاث عدة مثل تقارير (USC Annenberg Center’s Inclusion Initiative reports) عامي 2016 و-2017 أنه لم يكن أي تغيير جدي أو حتى لم يكن أي تغيير بالمرة في تمثيل مجموعات مختلفة في أفلام شعبية. والتشديد هنا على كلمة جدي.

صحيح أن هناك من يحظون باقتراحات وأدوار ولكن في غالبية الحالات يتلخص الأمر في إرهابي 1، إرهابي 2 وإرهابي 3، وبالنسبة للنساء الأمر أكثر سوءا. ليس هذا عملا هاما ومعززا للذات بحيث يرغب أي شخص بالقيام به كفنان. إن مقارنة التقريرين الأخيرين لمبادرة أننبرج تدل على أن نسبة الشخصيات التي يمكن تشخيصها كذات أصول شرق أوسطية في الأفلام المئة الأكثر شعبية وربحية في الولايات المتحدة قد تراجعت ب-50%، من 3.4% إلى 1.7% عام 2017.

وهذا يدل على أنه بعد فترة طويلة من الصمت تظل الحملات الضاجة المتمحورة في نفسها، الاقصائية والمؤدية للاستقطاب، التي تتركز فيها عموما الأضواء الإعلامية والإعلام الاجتماعي، غير ناجعة وغير موجهة لتقديم مساعدة حقيقية للناس ميدانيا.

 

 

 

 

  • 1. لا تتلقى المبادرة تمويلا من أي جهة اجنبية، دينية أو سياسية. أحد أول أعضاء مجلس MEFI هو جاك شاهين (Shaheen), المؤلف والناقد الاعلامي الذي اشتهر كمؤلف كتاب وفيلم Reel Bad Arabs الوثائقي، والذي توفي في تموز 2017 وحظي بالتقدير العالي في الصحافة الدولية.
  • 2. حي سورية الصغيرة دمّره روبرت موزس خلال عمل الحفريات لإنشاء نفق يصل منهاتين ببروكلين.